الروح المعنوية لقواتنا المسلحة كانت عنوان النصر في السادس من أكتوبر 1973، وما سبق هذا التوقيت من تدريب وتجهيز وإعداد، فهذه الروح استعادت سيناء في ساعات وعبرت القناة وكل ما فيها من موانع مستحيلة، ولقنت العدو الإسرائيلي درسا مازال يتذكر مرارته وقسوته، وحققت نصراً مبيناً نخلده ونعتبره مصدراً للفخر ما حيينا، وتاريخ مضيء لجيش وطني مخلص يدافع عن أرضه ببسالة وقوة حتى آخر قطرة دم.
الروح المعنوية للجندي المصري على جبهة أكتوبر 1973، كانت في أوج قوتها، فهذا المقاتل الذي عاصر أحداث 1967، وما لحقها من تجهيز وإعداد حتى تحقق النصر، كان يسكن الخنادق، ويتدرب ليلا ونهاراً على عملية الاستعداد لعبور القناة واقتحام خط بارليف وتحرير كامل أرض سيناء، دون كلل أو فتور، بل كان دائماً عند حُسن الظن.
كل المواقع العسكرية المتخصصة تضع عشرات المعايير، لتقييم الجيوش وقدراتها الفنية والبشرية، وعتادها الحربي، بل تصل إلى العديد من التفاصيل الأخرى مثل حجم شبكة الطرق، وطول السواحل، وأعداد الموانئ والمطارات، واحتياطيات البترول والغاز، والناتج الإجمالى المحلى، وحجم الديون الداخلية والخارجية، وميزانية الإنفاق العسكري، ومساحة الأرض والحدود المشتركة، إلا أن كل هذه المواقع تتجاهل العنصر الأقوى والأهم، "الروح المعنوية"، التي تعتبر بمثابة المفتاح الرئيسى لقوة أي جيش أو وحدة عسكرية، فالتفوق العسكري لم يكن لصالح مصر في حرب أكتوبر 1973، وقد كنا نحارب بأسلحة أقل تطوراً جيل وربما أكثر من تلك التي كانت في يد العدو، إلا أن المقاتل المصري العنيد، وروحه المعنوية العالية، وثقته في النصر، وبسالته في الدفاع عن أرضه ووطنه، كانت أكثر قدرة من تطور الأسلحة وخطوط الإمداد والدعم التي كان يحظى بها العدو من حلفائه.
الروح المعنوية للقوات المسلحة المصرية، كانت الماركة المسجلة والعلامة البارزة، التي لم يضع العدو لها حسابات دقيقة، ولم يرصدها في تقاريره وخططه، فقد ظل يشيع أن الجندي المصري لن يحارب، ولن يتحرك، ولن يستطع عبور ما وضعوا من موانع وعقبات على شاطئ القناة الشرقي، إلا أن إرادة المصريين كانت أقوى من كل ذلك، وصنعت المعجزة في ساعات معدودة، وعبرت القناة بكل موانعها، آلاف الجنود دفعة واحدة، تهلل وتهتف الله أكبر، وجنود العدو تهرب أمامها كفئران الجحور، ترتعد من لقاء هذه الصقور الحوامة، التي كان يهز هتافها ضفاف القناة.
ستظل انتصارات أكتوبر 1973 درساً كبيراً نتعلم منه دائماً، أن عزيمة الجندى المصرى، قوة أكبر من دانات المدافع، وقذائف الطائرات، وطربيدات السفن، وكانت مفتاحاً للنصر المبين، بعدما زلزلت حصون العدو، وألحقت به الهزيمة وطردته من أرضنا المقدسة، فكل التحية للجندي المصرى البطل، الذي حارب بشجاعة ودافع عن أرضه بمبدأ النصر أو الشهادة.