نمر جميعا بلحظات صعبة، تصل بنا إلى حافة اليأس أحيانا، وحينها تتملكنا عاطفة الغضب، نغضب من أنفسنا ومن العالم المحيط بنا، ونشعر بأننا وحدنا فى هذه الدنيا، لا نصير لنا ولا قريب منا، ومن ثم نكون أمام اختيارين لا ثالث لهما، إما أن نلعن الظروف، وإما أن نقول يا رب وننتظر الفرج.
أتأمل كثيرًا فى قصة سيدنا نوح، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، خاصة موقف دعائه على قومه، وأقول كيف أوصله هؤلاء القوم بعد كل هذه السنوات الطويلة من الدعوة إلى اليأس منهم، وإلى الغضب من تصرفاتهم؟ حيث يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة القمر "فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ، فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ، وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ".
فى البداية نعرف جميعًا أن الأنبياء أناس أكثر طمأنينة منا، وثقتهم فى الله لا نهاية لها، كما أنهم يعرفون أن النصر نتيجة واقعة لا محالة، ومع ذلك فإن مشاعر كثيرة تنتابهم تدل على بشريتهم، منها الغضب، أحيانا من الذات وأحيانا من الآخرين، وهذا ما نجده فى موقف سيدنا نوح عليه السلام الذى دعا قومه مئات السنين ومع ذلك لم يزدادوا إلى بعدًا عن الحق.
ولكن الملاحظ فى الموقف السابق أن سيدنا نوح لم يدع على قومه بقدر ما شرح حالته هو، أبدى موقفه منهم، ووضح أنَّه مغلوب، وأنَّ مقاومته معهم وصلت إلى النهاية، وطلب من الله أن ينجيه، فنجاه الله.
خطورة الموضوع من وجهة نظرى أن هناك من يرى أن اللجوء إلى الله، والانتصار به لا يدخل فى باب القوة، بل يزعمون أنه يدخل فى باب الضعف، يقولون بأن الذين يلجأون إلى الله كى ينتصر لهم معناه أنهم غير قادرين على فعل ذلك بأيديهم.
لا يعرف هؤلاء أن الاستعانة بالله فى لحظات الضعف هو منتهى القوة، وان الله سبحانه وتعالى سريع الاستجابة، كما نرى فى كثير من نصوص القرآن الكريم، وفى النص السابق، بعدما لجأ سيدنا نوح إلى ربه، جاءت الاستجابة سريعة "ففتحنا" والفاء كما نعرف تفيد السرعة، وتعنى الإنجاز، نسأل الله النصر.