مشهد راقي ومتحضر لضباط وضابطات الشرطة أثناء توصيلهم أبناء الشهداء لمدارسهم في بداية الموسم الدراسي، حيث تساهم هذه المشاهد المبهجة على رسم البسمة مجددًا على وجوه الصغار، الذين فقدوا ذويهم، وهم يدافعون عن هذا الوطن.
بالتأكيد، لا شيء يعوض الأبناء عن ذويهم، لكن شعورهم بالاهتمام والاحتواء والمحبة، تدخل السرور على قلوب الصغار، وتجعلهم أكثر فخرًا بذويهم الأبطال، لا سيما في ظل حرص المدارس على تداول قصص هؤلاء الأبطال الذين قدموا حياتهم من أجل هذا الوطن.
عاصرت ـ قبل عدة سنوات من الآن ـ هذه المشاهد، عندما استشهد ابن عمي الشهيد البطل أبو الفضل محمد عيسى، في تسعينات القرن الماضي، على يد خارجين عن القانون شمال محافظة سوهاج، وهو يؤدي واجبه المقدس داخل أحد الأكمنة الأمنية.
ورغم مرور سنوات طويلة على استشهاد البطل، إلا أن الداخلية لم ولن تترك أبناء الشهيد، فقد كانت حاضرة في كل وقت وحين، تساند بنات البطل وتدعمهن، وتقف إلى جوارهن.
لم أنسى الأيام الصعبة، التي مرت على بنات البطل الأربعة، وتحملهن صعوبة الحياة دون أب، رغم دعم العائلة لهن باستمرار، إلا أن فقد الأب شيء صعب وقاسي، لكن القدر كان كفيلًا بتعويضهن كل خير.
مرت سنوات، وكبرت البنات، وغادرن المدارس للجامعات ثم تزوجن، ومازالت صور البطل تزين منازلنا، شاهده على حكاية الفخر والعزة والرجولة، لرجل أفنى حياته في خدمة الجميع، ورحل عن الدنيا شهيدًا، فرحًا بلقاء ربه، حتى نلقاه هناك، "في جنة ونهر في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر".
ونحن نشاهد أبناء الأبطال في طريقهم للمدارس، بجوار رجال الشرطة، لابد أن نسأل أنفسنا عدة تساؤلات لنقف على حجم التضحيات، فمن منا يتحمل القلق والخوف كل لحظة على ابن أو زوج أو أخ يعمل في مواقع شرطية، من منا يودع ابنه كل صباح ولا يدرى سيراه مرة أخرى أم ينتظره في جنازة عسكرية بمسجد الشرطة، من منا يستطيع أن ينام أو يأكل أو يشرب أو يمارس حياته بشكل طبيعي وابنه يداهم وكرًا إجراميًا، أو يقف في كمين يتصدى لخارجين عن القانون، من منا يتحمل القلق المميت كل لحظة ويُخطف قلبه من صوت الهاتف، ربما كان يحمل خبرًا سيئا عن الابن الغائب. إذا كنا- أنا وأنت- لا نتحمل ذلك فلنوجه التحية لهؤلاء الأبطال "عيون مصر الساهرة".