غريب أمر طومان باى (1476- 1517) الملقب بأبى النصر، إنه المملوكى الأخير الذى حكم مصر مستقلا، رجل خلدته المقاومة على الرغم من الهزيمة في موقعة الريدانية.
والمعروف أن التعاطف سمة أساسية فى تركيبة المصريين على مر العصور، يكفى أن تكون نيتك طيبة وأن تسعى بجد كى يعدك المصريون بطلا تدافع عنهم، وذلك لإيمانهم بأن النتائج مقدرة مسبقًا، وأن شرف المحاولة هو نجاح في حد ذاته، لقد حدث ذلك على مر التاريخ منذ الملك الفرعونى سقنن رع الذى حارب الهكسوس وحتى جمال عبد الناصر الذى تلقى هزيمة شديدة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلى.
كذلك كان طومان باى الذى تولى الحكم مجبرا خلفا لقريبه قنصوة الغورى الذى مات في معركة مرج دابق في سنة 1516، فقد كان العثمانيون القوة الناهضة فى ذلك الزمان فى القرن السادس عشر الميلادى يحيطون بمصر ويسعون جديا لاحتلالها، وكان طومان باى يعرف أنه بموافقته على حكم مصر يكتب نهايته بيده.
يعجب الناس بمقاومة طومان باى، فقد سعت الحشود يوم إعدامه شنقًا على باب زويلة كى يقرأون له الفاتحة ويدعون له بالرحمة ويلعنون الخونة الذين باعوه للعثمانيين.
كان الله رحيما بطومان باى فجعله يبصر بأم عينه الناس تبكيه، وتوكد له أنه كان على حق فى مقاومته للمحتل حتى النهاية، بكاه الناس فاشتدت قامته ووقف بشجاعة منتظرا موته، والدعوات تحمل روحه للسماوات.
بعد موت طومان باى فى سنة 1517 لم ينته سلسال المماليك، لكن انتهى أبطالهم، إلا القليل ومنهم على بك الكبير الذى سعى للاستقلال عن مصر لولا تعرضه للخيانة، ومع ذلك لم يتحول لبطل شعبى مثل طومان باى، ربما لأن النهاية كانت مختلفة أو لأن الغاية من المقاومة كانت مختلفة أيضا.
ظل طومان باى معلقا على بوابة زويلة أياما، البوابة التى يسميها المصريون بوابة المتولي، والتى تحولت مع الوقت إلى بوابة مقدسة يقصدها الطامعون فى رحمة الله وفى أن يرزقهم الله الذرية الصالحة، حيث يمرون تحت شبح المشنوق على البوابة.
نقول إن تاريخ مصر عميق ومحفور فى وجدان الناس وليس بسيطا ولا مسطحا، مكتوب بدم ودموع وبضحكات وفرح أيضا، يحتفى بالمقاومة، ومحاط دائما بالرغبة فى رضا الله ومحبة الوطن.