قليلات هن المذيعات العربيات اللاتي يتمتعن بثقافة رفيعة وذكاء عقلي وسرعة بديهة وقدرة على الحوار مع حسن الاستماع والرد، لكن في الغالب ما تهتم المذيعات المصريات والعرب أيضا بالمظهر على حساب الفكر، فيهملن الثقافة والعقل والتفكير وحتى آداب الحوار، وهناك كثيرات لا تقترب هذه الأمور من اهتماماتهن من قريب أو بعيد، ناهيك عن اللغة العربية وقواعدها ونطقها السليم وما تلقاه من إهانة! ثم غالبا ما يعتمدن على من يعد لهن برامجهن وحواراتهن اعتمادا كليا يصل أحيانا لدرجة التلقين، وكثيرات منهن مجرد واجهة جميلة فقط، وأي مشاهد أو متتبع للبرامج على القنوات المصرية والعربية المختلفة يدرك جيدا ما أقول!
المذيعون من الرجال لا يختلفون كثيرا إلا فيما ندر. فأصبح الصوت العالي والاستظراف والثرثرة، وإبداء الرأي فيما يعلمون وما لا يعلمون هو السائد، وهو حقا أمر مستفز، فمن قال إنه على مقدم البرامج أو المذيع أن يدلي برأيه الخاص، بل على العكس تماما لا يجب أن يصرح برأيه الخاص، وعليه من خلال الحوار استخلاص آراء المتخصصين، هذا ما تعلمناه احتراما للمشاهد أو المتلقي.
لكننا نجد اليوم أن مقدمي البرامج بعد أن يصرحوا بآرائهم يلحون بها ويسوقون من يؤيد وجهة نظرهم فقط، ويلحون في تكرارها بمناسبة وبغير مناسبة، وكثيرا ما يهاجمون من يخالفونهم في الرأي، ويتحول الأمر إلى فوضى!
المذيعة المثقفة أو المذيع المثقف أصبحا عملة نادرة قل وجودها، ويوما بعد يوم يزداد الأمر سوءا، وتحولت الظاهرة إلى أمر واقع لا مفر منه، وأصبح علينا مواجهتها بشكل أو بآخر.
لكن في وسط كل هذه السلبيات يسطع نور وحيد، ليقدم نموذجا فريدا مشرفا، حيث تلمع مذيعة تليفزيونية رائعة تشع ذكاء وحيوية وإنسانية، وفوق كل هذا تتمتع بثقافة رفيعة، وقدره على اختيار موضوعاتها وضيوفها وإجراء حوارات راقية في كل مناحي الثقافة.
إنها المذيعة قصواء الخلالي، ربما لا يعرفها الكثيرون لأنها تقدم برنامجا جادا، لكن يعرفها معظم المثقفين ويتابعونها بإعجاب كبير! وسيدهش القارئ حين يعلم أنها خرجت من رحم التليفزيون المصري،والحقيقة أن هذا النموذج من مقدمي البرامج فوق كونه يستحق التحية والتقدير، فهو أيضا يستحق أن نأتمنه على تقديم وجوه جديدة من المذيعين – هذا إن أردنا تطوير أداء القائمين على العملية الإعلامية - فتدربهم وتعلمهم وألا يقتصر دورها على تقديم برنامجها الذي استطاعت أن تجعل منه طاقة نور إيجابية ومفيدة وراقية وسط زحام البرامج المكررة والتافهة.
الحقيقة إن قناة CBC تستحق التهنئة أيضا لأنها استطاعت ضم قصواء الخلالي إليها، ومنحها مساحة جيدة على الهواء، ومنحها حرية واضحة في اختيار ضيوفها وموضوعاتها، وهي تجيد ذلك حيث تنقل القارئ من الشعر إلى الموسيقى، ومن السينما إلى التاريخ، ومن الرواية إلى الفن التشكيلي، وهي في كل هذا تتحاور بذكاء ووعي وفهم، وخلفية مدروسة عن الضيف وعن الموضوع.
منذ زمن بعيد لم أستمتع بحوارات ثقافية هكذا، ولأنني على طول حياتي الصحفية أجريت العديد من الحوارات، فيمكنني بسهولة إدراك الغث من الثمين، وما تقدمه هذه السيدة له كل التقدير والاحترام والإعجاب.