حدث غير عادي، شهده المركز الثقافي الإيطالي في منطقة الزمالك بالقاهرة هذا الأسبوع تشرفت بالمشاركة فيه، وهو الاحتفال بإطلاق ثلاثة مبادرات ثقافية مهمة، الأولى هي كتاب "سفارة إيطاليا في مصر" والذي ترجمته إلى العربية أستاذ الأدب الايطالي د. وفاء البيه، والثانية هي إصدار المجلد التذكاري عن مرور 40 عاماً علي انقاذ معابد فيله، وهو المجلد الذي شارك فيه مجموعة كبيرة من الباحثين الايطاليين والمصريين من بينهم عالم المصريات فرنسيس أمين القنصل الفخري الايطالي بمصر، و المبادرة الثالثة هي مشروع رقمنة الصحف الإيطالية التي كانت تصدر في القاهرة والإسكندرية بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والأول من القرن العشرين، وهو المشروع الرائد والكبير الذي تشرف عليه د. وفاء البيه، وهو ثمرة التعاون جامعات مصرية وإيطالية، ومتخصصين في علم المعلومات، وفي دراسة التاريخ الإيطالي في أفريقيا، ويهدف إلى توصيف مجموعات هذه الصحف في مصر، ودراسة ظروف حفظها، والحلول المثلى التي تضمن الوصول إلى محتواها والاستعانة بها في الأبحاث، وفتح الباب أمام الباحثين في تخصصات مختلفة لدراسة النصوص السياسية والأدبية الصادرة باللغة الإيطالية على صفحات هذه المجموعة وفق فهرس موضوعات محدد، وتتضافر في تلك العملية كلها جهود المتخصصين في إيطاليا ومصر.
هذه المبادرات تبرز – كما يؤكد الدكتور/ دافيدي سكالماني مدير المركز الثقافي الايطالي بالقاهرة والمستشار الثقافي للسفارة- إسهام الجالية الإيطالية التي اندمجت في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمصر منذ عهد محمد علي، مؤسس نهضة مصر الحديثة وحتى اليوم.
في إعتقادي أن العلاقات المصرية – الايطالية، والتوافق الكبير بين القيادتين والشعبين، يحتاج إلى دعم ثقافي كبير، و هو ما أشارت إليه النائبة الدكتورة جيهان زكي نائب رئيس منظمة المتاحف الدولية والرئيس الاسبق للاكاديمية المصرية بروما، في حديثها عن العمق الحضاري بين البلدين.
نحن اذن في حضرة التراث الإيطالي بمصر، ففي ذلك البلد الكبير الذي يتوسط الشرق الأوسط، ترك الإيطاليون إرثاً كبيراً من الفن والحضارة وينابيع الثقافة للمصريين، التي إنعكست على الحضارة المصرية ووجدان الشعب المصري.
عظمة الايطاليين في مصر تكمن في الأرث الكبير ومظاهر الجمال والرقي المتمثلة في الطرز المعمارية الهامة التي أبدعها كبار الفنانين والمهندسين الايطاليين في مصر خلال القرن العشرين.
من حسن حظي أنني ولدت في مدينة بورسعيد، وهي التي تأثرت بالثقافة الايطالية في كل مناحي الحياة، وكان تأثير اليبت الثقافي الايطالي " كاسا دي إيطاليا" ، الذي يقع في مكان فريد على مدخل قناة السويس كبيراً ، فمنه عرفت بورسعيد المسرح والفعاليات الثقافية، ومنه رأت العالم.
وهكذا كان حال مصر كلها، ففن الأوبرا ومبناها الذي توسط العاصمة المصرية، كان مصدر إشعاع ثقافي إيطالي إنعكس على المسرح المصري، مما دفع يوسف وهبي عميد المسرح المصري، الذي درس المسرح في إيطاليا إلى أن يؤسس " مسرح رمسيس" عام 1924.
خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، كانت مصر واحدة من بين أكبر أربعة منتجين للسينما في العالم، بفضل الفنيين الايطاليين وفي مقدمتهم المخرج الكبير إبن الاسكندرية " توجو مزراحي".
نحن أمام حدث فريد مرتبط بالإرث الايطالي في مصر والخاص بتلك المبادرات الثقافية الكبيرة، التي سيكون لها أبلغ التأثير في دعم العلاقات الثنائية بين البلدين.
شعبياً وثقافياً، لابد وأن نعمل جميعاً على مبادرات تكشف عن ذلك العصر الذهبي من " السيرة الايطالية في مصر" .. وأن تراعي كل أدوات التحول الرقمي، لتقدم للشباب صوراً من هذا العصر، خاصة وأن مصر الأن، وما تشهده من انفتاح على العالم، وإعدادها لمدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الادارية، لتكون مركزاً للاشعاع الحضاري، يؤهلها للعب دوراً ثقافي كبير في المنطقة .
الأحلام كبيرة ..لكنها ليست مستحيلة..