"احياء النقاط الميتة".. عنوان يمثل نهجا صريحا باتت تتبناه الدبلوماسية المصرية في السنوات الاخيرة، في دوائرها التقليدية (العربية والإفريقية والمتوسطية)، حيث ارتكزت الرؤية، في مرحلة "ما بعد 30 يونيو" على تنويع التحالفات، عبر الاحتفاظ بمسافة متساوية مع كافة القوى الدولية الكبرى، وعدم الاعتماد على حليف واحد، بينما توسع نطاق العلاقات مع الشركاء، بحيث لا تقتصر على الدول التي نرتبط بها بمصالح مباشرة، وإنما العمل على خلق تلك المصالح، عبر الاستثمارات والمشروعات، بل ومواجهة التحديات المشتركة وعلى رأسها الإرهاب والتطرف.
ولعل النموذج الأبرز في هذا الإطار، يتجسد في التحالف الثلاثى الذى أبرمته مصر مع كل من اليونان وقبرص، وهما دولتان تشاركنا "الانتماء المتوسطى"، لكنهما كانتا بعيدتين عن أجندة أولويات الدبلوماسية المصرية لعقود طويلة، والتى ركزت خلال عقود طويلة على الدول الرئيسية في أوروبا الغربية، على غرار ألمانيا وفرنسا وإيطاليا باعتبارها الأقوى اقتصاديا، ناهيك عن الدور الكبير الذى تلعبه تلك الدول بحكم تحالفها القوى مع الولايات المتحدة، والتي كانت القوى الوحيدة المهيمنة على العالم لعقود طويلة من الزمن.
إلا أن الدبلوماسية المصرية، ربما قرأت المشهد الدولى مبكرا، لتتجه نحو تحالفات جديدة، مع دول ربما لا تحظى، من وجهة النظر التقليدية، بنفس القوة والنفوذ بل وتعانى من أزمات في بعض الأحيان، لتكون تلك المعاناة نقطة انطلاق للتعاون المشترك، لمجابهتها، بل وتحويل المحن الى منح، عبر الشراكة، بعيدا عن الاعتماد على الدعم المقدم من الخارج.
ولكن تبقى الرؤية المصرية غير قاصرة على الدوائر التقليدية، وإنما امتدت إلى توسيع نطاقها، عبر خلق دوائر جديدة، تدور في فلك الدوائر الاصلية، وهو ما يبدو في الحضور المصرى البارز في تجمع "فيشجراد" والذى انعقد في العاصمة المجرية بودابست، حيث حملت في طياتها اعترافا صريحا بأهمية الدور المصرى، والذى تجاوز نطاقه التقليدى، ليستكشف نقاطا جديدة، ربما لا ترتبط به بشكل مباشر، ولكن تمثل اهمية كبيرة لشركاء مصر الاقليميين.
فلو نظرنا إلى قضية الهجرة غير الشرعية واللاجئين القادمين من دول الازمات جنوب المتوسط، نجد أنها الشغل الشاغل لدول "فيشجراد"، وبالتالى تبقى دعوة مصر للمشاركة تمثل ادراكا عميقا لاهمية الدور الذى يمكن ان تلعبه القاهرة لاحتواء تلك المعضلة، نظرا لتداخلها في كافة الشؤون الاقليمية، نجاحها المنقطع النظير في ادارة كافة الملفات الاقليمية.
الأمر لا يقتصر على قضية الهجرة، والتى ترتبط بأزمات المنطقة، وإنما يمتد إلى النجاح الاقتصادى الكبير وإمكانية تحقيق تعاون وشراكة من شأنه تحقيق المنافع المتبادلة في المستقبل القريب، ناهيك عن التحديات الأخرى كالارهاب والتطرف وغيرها.
هنا يمكننا القول بأن توسيع نطاق الدبلوماسية المصرية، لم يعد يقتصر على مجرد دوائرها التقليدية، وإنما يمتد إلى استكشاف مناطق جديدة من شأنها تقوية النفوذ ليتجاوز مناطقنا المتعارف عليها وهو الامر الذى يفتح الباب أمام توسعات جديدة في مختلف مناطق العالم وعلى رأسها قارة اوروبا، من "وحى فيشجراد"