كانت الإذاعة المدرسية أحد الأنشطة المهمة كل صباح، خاصة في المراحل الابتدائية والإعدادية، وقد كانت تحظى باهتمام بالغ من جانب الطلاب والمعلمين، باعتبارها أحد الطقوس الصباحية البارزة، لدرجة أن أولياء الأمور كانوا ينتظرون سماعها يومياً عبر الميكروفون، ويستمعون للمعلومات التي تُقدم خلالها، خاصة الفقرات المميزة، مثل "هل تعلم؟" و"حكمة اليوم"، ومطالعة الصحف.
تعلمت إتقان قراءة الصحف من الإذاعة في مدرستي "أبو شربان الإعدادية"، وقد كان يُشرف عليها المعلم الفاضل، حمدي عبد السميع، مُدرس اللغة العربية، وكنت ضيفاً دائماً على الإذاعة يوميا في فقرتين، الأولى قراءة القرآن الكريم، وكان يسمعني أبى خلال زيارته المعتادة للحقل في كل صباح، بالإضافة إلى فقرة مطالعة الصحف وقراءة أهم ما جاء فيها من أخبار وعناوينها الرئيسية.
الإذاعة المدرسية كانت مساراً هاماً للمنافسة بين التلاميذ، وقد كانت كل الفصول تتسابق على تقديم أفضل ما لديها، حتى تحظى بتقدير وإشادة المعلمين والطلاب، خلال طابور الصباح، وكانت نشاطاً مميزا ينعش أذهان الطلاب قبل بدء اليوم الدراسي، والصعود إلى الفصول، تحولت معه كلمات التشجيع الصغيرة والهدايا التذكارية البسيطة إلى دافع نحو متعة التعلم، وحب للمدرسة، التي كنا نقضي فيها أغلب أوقاتنا.
لا أعرف مصير الإذاعة المدرسية في هذه الأيام، هل تقام كما كانت أم تجاوزها الزمن وأكلتها تفاصيل الحياة الصاخبة التي نعيشها اليوم، لكنى عرفت بعد سؤال ابنتي التي تذهب إلى أحد المدارس الخاصة، وتنتظم في الصف الثالث الابتدائي، أنها لا تعرف شيئا عن الإذاعة المدرسية، ولا يوجد لديهم أي نشاط له علاقة بها، كل ما في الأمر طابور روتيني لخمس دقائق، ثم الصعود إلى الفصول مباشرة!
أتصور أن الإذاعة المدرسية أحد الأنشطة المميزة التي يجب أن يمر بها الطلبة خاصة مراحل الابتدائية والإعدادية، حتى يعتادوا مواجهة الحشود والجماهير، ونغرس فيهم روح القيادة والاستقلالية، ونخلق لديهم دافع الإنجاز والمنافسة، والسعي لتقديم الأفضل دائماً، خاصة أنها أشبه بعرض فني ثقافي يومي، يمارسه الطلاب يومياً، ويجددون معلوماتهم ومعارفهم ويصححون المفاهيم الخاطئة لديهم، ويحصلون على معلومات وأخبار تختلف عن تلك التي يجدونها في الفصول التعليمية، لذلك أتصور أن افتقاد المدارس للإذاعة الصباحية خسارة مزدوجة للطالب أولاً، والنظام التعليمي ثانياً، وعلينا أن نستعيد هذا النشاط الهام في مدارسنا يومياً ونشجع التلاميذ على إظهار مواهبهم ومواجهة الجماهير.
نشاط الإذاعة المدرسية يفرز دائماً النخب والصفوة داخل كل مدرسة، وتظهر من خلاله العناصر المميزة القادرة على القيادة، ويخلق مشاهير صغار، ينظر إليهم تلاميذ الصفوف الأولى، باعتبارهم قدوة ومثل إيجابي، فهكذا يتم غرس السلوكيات الإيجابية في أبنائنا بمختلف المراحل التعليمية، لذلك علينا أن نستثمر في الإذاعة المدرسية ونستعيد هذا النشاط من جديد، ونتوسع فيه بأساليب علمية تحقق متعة التعلم وتكفل ممارسة الأنشطة، وتربط الطالب بالمدرسة.