دعيت إلى المشاركة فى تقييم مشاريع تخرج طلبة وطالبات السنة النهائية فى كلية الإعلام بإحدى الجامعات الكبرى، حيث كنت عضوا ضمن لجنة رفيعة المستوى من أساتذة ومتخصصين، ولمن لا يعلم عن ماهية مشروع التخرج.. وطبقا لعلمى ومعرفتى وخبراتى العلمية والمهنية، وطبقا لمشروع التخرج الذى قدمته مع عدد من زملاء الدفعة من السنة النهائية بكلية إعلام القاهرة منذ سنوات ليست قليلة، فإن مشروع التخرج عبارة عن ثمار جهد وفكر وعلم تم تحصيله على مدار سنوات الدراسة لابد أن يبذل فيه الكثير من البحث والتدقيق، حتى يمنح لمقدمه التقدير الذى يستحقه كما يكون شهادة عملية على قدر المساهمة التى سوف يساهم فيها الطالب فور تخرجه وانخراطه فى العمل.. واذكر القسوة التى كنا نتعامل بها من الأساتذة عندما نخطئ فى اختيار فكره أو قضية دون المستوى، لأننا يجب أن نكون عند حسن ظن المجتمع، الذى سوف نؤثر فيه بعلمنا وتشكيل وعينا الذى تعلمناه فى الدراسة، وقد كنا محظوظين بعض الشىء مقارنة بالأجيال الجديدة، بسبب وجود تعليم أفضل ومستوى من الأساتذة أفضل بلا شك، ومناخ عام وبيئة تعليمية وثقافية، وعدم انتشار لمواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت يساء استخدامها، وأصبحت عبئا شديدا يضاف إلى وسائل التشتت وانعدام الوعى وعدم إعمال العقل وتحجر الفكر.
ولقد تألمت كثيرا من تدنى مستوى مشاريع التخرج التى تنبئ بعدم وجود كوادر إعلامية واعية ومثقفة ومدركة لأهمية وخطوة العمل فى الإعلام الذى يشكل ويمثل أهمية كبيرة للمجتمع، ولعل الأكثر إيلاما كانت الأفكار التى تبناها الطلبة والطالبات والتى كانت معظمها تتمحور حول أفكار ضحلة وقديمة ومستهلكة، تؤكد أن المجتمع المصرى يعود للوراء بقوة طالما أن الأفكار التى تسيطر على شبابنا وشاباتنا بهذا القدر من السطحية، وأنا هنا أشفق وبشدة عليهم لأنهم نتاج وضع تعليمى وثقافى وإعلامى وفنى شديد الضحالة، وإن كنت لا أعفيهم من أهمية دورهم فى زيادة وعيهم وإدراكهم واستخدامهم للتطور المذهل الذى يحدث من حولنا بشكل إيجابى، خاصة أنهم يتحدثوا لغة أجنبية غير العربية، ويستطيعوا الانفتاح أكثر وأكثر على العالم من حولنا، وأيضا انهم تخطوا عمر العشرين وأقرانهم فى الدول الأخرى يعمل ويتعلم ويكتسب خبرات عملية ومهنية وحياتية على نطاق واسع، وأنا لا أنكر أهمية التواصل بين الطلاب وأساتذتهم ومعلموهم، كما كان يحدث بالنسبة لجيلى والأجيال الأخرى، حيث كان التواصل والنقاش والحوار مع الأساتذة والمتخصصين والخبراء من كل المجالات السياسيه والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية، وهو ما ساهم فى خلق مبدعين ومهنيين ومجددين للفكر الذى أصبح آفة مصر للأسف الشديد الجمود وقتل الإبداع والتمرد على السلبيات والجهل والتخلف، الذى جعل المجتمع غارقا فى الجهل والتخلف والعودة إلى الوراء فكريا بعدما كانت مصر المنارة وصاحبة الحضارات التى شكلت العالم والإنسانية منذ بداية التوحيد التى سبقت ظهور الأديان.
ولذلك لابد أن نعلم أن الحل لمصر جديدة ومستقبل أفضل هو التعليم ثم التعليم ثم التعليم الذى هو الروشتة الحقيقية والواضحة لتغيير مصر وبناء أجيال جديدة تبنى مستقبل افضل لبلد ذات تاريخ وحضارة عظيمة، مصر تحتاج إلى ثوره فى التعليم لابد أن تقوم، وأن يضع مقوماتها الشعب والقيادة السياسية وكل مؤسسات وأجهزة الدولة، ولابد أن تسخر لها كل الإمكانيات المتاحة وغير متاحة، لأن بدون ذلك لن يكون هناك أى أمل فى المستقبل الذى طالما انتظرناه ونطمح إليه، لتعبر مصر العبور الحقيقى الذى تستحقه.