منذ قرأت خبر وفاة الدكتور حسن حنفى، العالم والفيلسوف الكبير، تذكرت عامي الأول في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وتحديداً الفصل الدراسي الأول، الذي بدأ قبل 20 عاماً، وقد كانت مادة الفكر العربي المعاصر، مقررة على طلبة الكلية في السنة الأولى، وأظن أن هذا التوقيت كان مناسبا جداً، فالطالب أخضر الأفكاروالخبرات، الذي لم يخرج بعد من أفكار المراهقة والمرحلة الثانوية، يحتاج إلى من يحفز عقله على الثورة والاختلاف، والنظر بعين جديدة إلى الأمور والتفكير بطريقة علمية، وقبول الرأي والرأي الآخر، وقراءة الذات، وتحرير ما يدور فيها من أفكار مقبولة أو غير مقبولة.
الدكتور حسن حنفي، كان أستاذاً متفرغاً في تلك الفترة، وقد جاب العالم شرقاً وغرباً وله من الأسفار والرحلات في طلب العلم الكثير والكثير، فلم تمنعه السنوات العشر التي عاشها في فرنسا ودكتوراه الدولة من جامعة السوربون، وتلمذته على يد كبار الفلاسفة والأساتذة في أوروبا، أن يتفاعل مع طلبة السنة الأولى بكلية الإعلام ويتحاور معهم ويناقش كل كبيرة وصغيرة، بل ويسمع نقداً أجوفاً من بعض الطلاب في كثير من الأحيان، دون ضجر أو ضيق، فقد كان يبنى فينا فضيلة قبول الاختلاف، واحترام الآخر، تلك القضية التي حارب من أجلها أكثر من 60 عاماً، وقدم من خلالها مشروعه الفكري الكبير، الذى يدور حول التراث والتجديد.
كنت أحب محاضرات ونقاشات حسن حنفي كثيراً، وقد كان له فضل كبير اتساع مداركي، وتطوير طريقة تفكيري، ومنذ سمعت خبر وفاته، عكفت على آخر ما كتبه وهو "ذكريات"، التي يروى فيها مراحل حياته المختلفة من السكن في منطقة باب الشعرية، بأحد حاراتها القديمة، ثم مدرسته الابتدائية وسعيه نحو العلم، رغم ظروف أسرته المادية الصعبة، حتى التحق بالجامعة في كلية الآداب، ثم رحلته إلى فرنسا للحصول على درجة الدكتوراه، وما لقيه من صعوبة بالغة في هذه الرحلة، ثم عودته للقاهرة مرة أخرى، ثم السفر إلى أمريكا، ثم أسفاره إلى المغرب العربى، ثم اليابان، فالعودة إلى القاهرة مرة أخرى لرئاسة قسم الفلسفة في كلية الآداب.
السيرة الذاتية التي كتبها الدكتور حسن حنفى، وعكفت على قراءتها لمدة ثلاثة أيام متواصلة، تميزت بأسلوب أدبى شيق وسرد متصل ومترابط، يشير إلى الموهبة الكبيرة التي يتمتع بها الفيلسوف الراحل، إضافة إلى الموضوعية الكبيرة التي كتب بها نشأته وتاريخه، وتدوين الوقائع والمواقف والعبارات، التي قد يخجل منها بعضنا، إلا أنه لم يجمل شيء وآثر أن يذكر كل ما حملته ذاكرته، وهذه فضيلة لا توجد في أغلب السير الذاتية، التي تخرج أحداثها غالباً أقرب إلى سيرة الرسل والملوك دون أخطاء أو نواقص أو حتى الهفوات البسيطة، لذلك وصلت مصداقية الكاتب إلى نفسى وشجعتني على القراءة واستكمال ما كتب عن رحلته الطويلة.
أتصور أن الدكتور حسن حنفى، يستحق التكريم من جامعة القاهرة بإطلاق اسمه على أحد مدرجاتها التاريخية، فقد قضى عمراً في عشق هذه الجامعة، بل إن ما قدمه من مشروعه الفلسفي على مدار سنوات طويلة، كان لصيقاً باسم جامعة القاهرة وكلية الآداب، لذلك يستحق أن يُخلد اسمه، كأحد أهم رموز الفكر العربى المعاصر.