خطورة كل تطوير وتحديث قد يتم فى أركان الدولة، هو التعامل مع كل موروث اجتماعى وثقافى بأنه ناتج عن فعل صحيح، والتعامل مع تراكمات الأخطاء بأنها واقع حقيقى، فيظن الناس أنت قناعاتهم المترسخة حول قضية ما هى قناعة حقيقية، مستندين فى ذلك على مرور عقود من الزمن دون الاقتراب من تلك القناعات، ومع الوقت تصير تلك القناعات تاريخا يتحاكى الناس عنه وكأنه عنوان للصح والصواب، رغم أن التدقيق السليم فى القضايا خاصة القومية منها، يمكن اكتشاف تعاملات تاريخية مشوشة فى قضايا بعينها، لأن الناجح فى التوثيق فى تلك الفترة و مصدر المعلومة قد يكون الطرف الآخر الذى يشعر بالاضطهاد حينها.
يصبح التاريخ هو التاريخ الذى كتبه هؤلاء فقط، بمعنى أنه فى أحداث كثيرة مرت على مصر، وفى ظل عزوف جهات رسمية على التوثيق المعلن للناس وقتها، يتم ترك تلك المساحة لآخرين يوثقون ما يريدون، وحين يبحث أى شخص بعد ذلك فى مصر أو خارجها عن قضية بعينها، يجد تلك الأطروحات موجودة أمامه، وهو لا يعرف خلفية كاتبيها و توجهاتهم، فيظن أن لديه وعيا حقيقيا بالقضية، لكن فى الحقيقة ذلك الوعى جوهره وعيا مزيفا، لأن يعتمد على تاريخ آخر يمكن تسميته بالتاريخ الموازى، وذلك لأن صناع التاريخ الحقيقين لم يسجلوا كتاباتهم أو أن كتاباتهم لم يروج لها بالشكل المطلوب، فصار ملاك التوثيق جهات غير معروفة غرضها وأهدافها، والتى قد يظهر نتائج ما كتبوه بعد عدة سنوات أو عدة عقود.
لذلك معركة صناعة وعى حقيقى وموثق ومؤتمن ومدقق ومنضبط، مرجعيته الرئيسية إلى التدوين والتوثيق المقترن بالمعلومة، ولا يملك المعلومة أكثر من الدولة نفسها، لذا فإن معركة صناعة الوعى القومى الحقيقى على الأقل فى المرحلة التى نعيشها ونحن أطرافا فيها، معركة حقيقية وتمثل مشروعا قوميا ضخما، ونحن جميعا جنود فيه، وعلينا بحث سبل دعمه وتعزيزه بشكل مستمر ودائم بدون ملل أو فترة محددة.