عطفا على قضية الوعى وزرع الانتماء وتأكيد على الهوية المصرية والاعتزاز بها فى نفوس أبنائنا وتحصينهم من بعض الأفكار الشاذة أو الهدامة وحمايتهم من الشطط والانجذاب لأى آراء غير مسئولة، خاصة فى ظل عصر الاتصالات السريعة والسماوات المفتوحة وإتاحة آلاف أو ملايين المعلومات الموجودة على شبكة الإنترنت دون رقابة أو مراجعة، وبعضها يكون من وحى غير المتخصصين.
يجب العمل على تهيئة الأبناء والعمل على بنائهم فكريا من خلال دراسة محكمة وآليات قابلة للتنفيذ، دون الاكتفاء بالخطب أو التعبيرات الإنشائية البراقة، لذلك من الأهمية بمكان أن نولى اهتمامنا شطر المقومات التى تمتلكها الدولة وتطويعها لخدمة ذلك الهدف، وفى القلب منها قصور الثقافة فهى آلية إبداعية متكاملة تعمل على نشر الثقافة والوعى من القاعدة إلى القمة أو بمعنى آخر نشر القيم الجمالية والسلوكية بين مختلف طبقات الشعب تطبيقًا لمقولة كاتب نوبل نجيب محفوظ: "إن الثقافة الحقيقية هى النابعة من القاعدة الشعبية، وكلما تعمقنا فى الجذور ارتفعنا إلى العالمية".
قصور الثقافة التى تعتبر بنايات شاهدة على العصر وأداة تنوير كبرى لها وتاريخ كبير يسبق الوزارة نفسها، وقد أنشئت فى بادئ الأمر تحت مسمى الجامعة الشعبية عام 1945م، ثم تغير اسمها فى سنة 1965 إلى الثقافة الجماهيرية، برئاسة سعد كامل خلال تولى ثروت عكاشة وزارة الثقافة، وعملت على نشر الثقافة والوعى من خلال فرق وقوافل تجوب المحافظات والقرى المختلفة لعمل عروض مسرحية وفنيه وندوات ثقافية وفنية باشتراك نجوم الفن والثقافة أن ذاك لإيمانهم الشديد بأن الفن والثقافة يجب أن يتواجد خارج أسوار المبانى وينطلق خارج المحافظات الرئيسية ليمتد ويشمل كافة الأرجاء فى كامل الدولة المصرية بقراها ونجوعها ، وفى عام 1989 صدر القرار الجمهورى رقم 63 بإنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة تكون لها الشخصية الاعتبارية وتابعة لوزير الثقافة.
فهى ليست بناء من طوب وحجر بل هى مجمع يضم المواهب المختلفة يعيد تشكيل الإنسان يخاطب فيه الروح، ويعمل على هيئة ملكاته وتنمية مواهبه، ففى داخلها هناك أقسام مختلفة تتيح للجميع العمل والإبداع فهناك الرسم، والنحت، والموسيقى، والاستعراضات، والقصة، وغيرها فهى أشبه بالمصانع التى تضم أقساما مختلفة، ولكنها مصانع تعمل على إخراج المبدعين والموهوبين لتقديم إبداع حقيقى يتم من خلال محاربة بعض مظاهر الإسفاف فى الموسيقى والغناء التى ظهرت فجأة ويتم مواجهته لا من خلال المنع وإنما عبر مواهب حقيقية قادرة.
داخل هذه قصور الثقافة أو مصانع إنتاج الموهوبين تم تخريج عشرات ومئات الموهوبين فى مجالات مختلفة من خلال إمكانات بسيطة ولكنها كانت تمثل حافزا قويا للانطلاق واكتشاف المواهب من مختلف المحافظات والأماكن دون تركيز الاهتمام على أماكن بعينها، العمل على تنويع الأنشطة وعدم قصرها على نشاط بعينه، فهناك مجالات الرسم ،والنحت والموسيقى والغناء والعزف، والمسرح، والأداء التمثيلى، والإلقاء، والشعر، بجانب المشغولات اليدوية.
ومن الملاحظ إنها أنشطة تخاطب الروح وتسمو بها فيرتقى معها الذوق والإحساس بجانب الحفاظ على التراث الثقافة المصرية وهويتها المتفردة من خلال إعادة توظيفه وإحياؤه مرة أخرى ولا يقتصر على العمل داخل قصور الثقافة على تنمية المواهب فقط وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة فى أنشطتها المختلفة وإنما تعمل قصور الثقافة على الأخذ بيد هذه المواهب وتسويقها والإنطلاق بها من خلال العروض التى تتم ويحضرها الجمهور والمتخصصين فى المجالات الفنية .
جانب آخر تتميز به قصور الثقافة التى كانت ولا زالت آلية تنوير حقيقية ومصدر لقوة مصر الناعمة وهى إصداراتها الثقافية المتميزة وعناوينها التى تتزين بأسماء كبار الكتاب واتاحتها بأسعار زهيدة بما فيها الذخائر التى تعتبر بحق كنز حقيقى يضم مؤلفات نادرة يتم اعادة طبعها وطرحها للجمهور بأسعار لا يمكن مقارنتها بأى حال من الأحوال بأثمانها السوقية خارج قصور الثقافة، وذلك بهدف نشر الثقافة والمعرفة.
ومن أجل هذه المهام الضخمة والمسئولية الكبرى التى تعمل عليها قصور الثقافة وهو إعادة بناء المصرى والحفاظ على التراث والهوية المصرية كانت دعوى الرئيس عبد الفتاح السيسى بإعادة تأهيل قصور الثقافة للاستفادة القصوى منها وحسن إدارتها .
وهو أمر تم العمل عليه من خلال الوزير الفنانة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة من خلال طرح العديد من المبادرات داخل قصور الثقافة ولكن هناك قطاع عريض ينتظر مزيد من هذه المبادرات والفعاليات داخل هذه القصور والتى تمثل مقصدا لعدد غير قليل لا تتيح له ظروفة المادية ممارسة هواياته خارجها بجانب العمل على زيادة طباعة مؤلفات هيئة قصور الثقافة النادرة