الاستخدام السلمي للطاقة النووية بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي، وقد سبق هذه الفترة عشرات التجارب والمحاولات، وتحديداً في العام 1896، عندما نجح العالم الفرنسي هنري بيكريل، في اكتشاف النشاط الإشعاعي المنبعث من ذرات اليورانيوم والثوريوم، لتبدأ رحلة طويلة من الدراسات والأبحاث عن استخدامات الطاقة الكامنة في الذرة، حتى جاء العام 1954، حين أسس الاتحاد السوفييتي أول مفاعل نووى على مستوى العالم لإنتاج الكهرباء، المعروف بمفاعل "أوبنينسيك"، ومنذ ذلك التاريخ صار استخدام الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، أو الاستخدامات العسكرية مقصوراً على الدول الكبرى، ثم انطلق في أواخر القرن الماضي، ليشمل العديد من الدول وصل عددها إلى 32 دولة، وأخيراً بدأت مصر الخطوات الفعلية لتأسيس محطة نووية متطورة في مدينة الضبعة، على الساحل الشمالي الغربي، تضم 4 مفاعلات ضخمة، تبنيها شركة روس أتوم الروسية، منتظر أن يدخل المفاعل الأول الخدمة في 2028، وفق تصريحات لرئيس هيئة المحطات النووية المصري.
المتتبع لخريطة الطاقة النووية في العالم سيجد أن هناك عدد من الدول تستخدم الطاقة النووية منذ سنوات طويلة، وبدأت في التخلي عنها تدريجياً، وهذا الاتجاه سائد في بعض الدول الأوروبية على رأسها ألمانيا، التي اتخذت قراراً نهائيا بإخراج كل مفاعلاتها من الخدمة بحلول العام 2022، ولم يعد لديها سوى 6 مفاعلات فقط من إجمالى21 مفاعلا كانت لديها في عام 1990 ، وبريطانيا التي لم يعد لديها سوى 15 مفاعلاً، من إجمالي 37 في عام 1990، على عكس الحال في فرنسا، التي تمثل فيها الطاقة النووية المصدر الرئيسي لإنتاج الكهرباء بنسبة 71%، ومازال لديها 56 مفاعلاً في الخدمة.
في تقرير حديث للوكالة الدولية للطاقة الذرية بعنوان "المفاعلات النووية حول العالم" صادر في يوليو 2021، كشف خطة المارد الصيني في تأسيس حلم السيادة النووية حول العالم من خلال 11 مفاعلاً تحت التأسيس، و29 أخرى، مخطط البدء فيها خلال الفترة المقبلة، في حين أن الرقم الإجمالي للمفاعلات الموجودة في الخدمة فعلياً بخلاف المخططة وتحت التأسيس، 50 مفاعلاً، في خطوة تؤكد أن الصين تتحول بصورة واضحة نحو الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء، وتعتمد عليها بشكل مباشر في نهضتها الصناعية، خلال الفترة المقبلة، خاصة أنها الدولة رقم واحد في العالم التي تتوسع في إنشاء المحطات النووية، تليها روسيا، التي تخطط لإنشاء 20 مفاعل نووي جديد، بينما لديها 38 في الخدمة الفعلية.
من واقع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية نكتشف أن التنين الصيني يسعى ليصبح الأول في إنتاج الطاقة النووية خلال السنوات العشر المقبلة، في مقابل تراجع أمريكا من حصتها في المفاعلات النووية، التي تقلصت من 96 مفاعلا في العام 2019، إلى 94 في 2020، وتستمر في التناقص مع خروج أعداد جديدة من المفاعلات سنوياً، كما أن خطتها المستقبلية لا تشمل إنشاء مفاعلات جديدة، بما يشير إلى أن التوسع في هذا النوع من الطاقة يميل ناحية الصين وروسيا خلال الفترة المقبلة، وسيصبح لدى تلك الدول خبرات متراكمة، تمكنها من الهيمنة والسيطرة على هذه الصناعة في مختلف دول العالم، وهذا ما يحدث بالفعل، فقد بدأت روسيا التوسع في تأسيس مفاعلات في تركيا، مصر، وبنجلاديش، وهناك مفاوضات مع السعودية لم تُحسم حتى الآن.
بكين التي بات لديها 50 مفاعلاً في الخدمة، وتساهم في إنتاج الكهرباء وتوفير الطاقة لنحو 1.4 مليار مواطن، ولديها تحت التأسيس 11 آخرين، وتخطط لبناء 29 مفاعلاً جديداً خلال السنوات المقبلة، لم يكن لديها مفاعل نووي واحد قبل العام 1990، الذي شهد التشغيل التجريبي لأول مفاعل نووي هناك، ثم سرعان ما زادت الأعداد إلى 3 مفاعلات في 1995، ثم 9 مفاعلات في 2005، تصاعدت لـ 13 في 2010، ثم 31 في 2015، و48 في العام 2019، حتى وصلت أعداد المفاعلات لديها إلى 50 مفاعلاً حتى نهاية 2020.