رحل عظيم من عظماء الفن العربي وأيقونة من أيقونات الغناء العربي الأصيل والطرب الحلبي ، رحل الفنان صباح فخري الذي حالفني الحظ وحضرت له حفلا من الحفلات التي قدمها في دار الأوبرا المصرية ضمن حفلات الموسيقي العربية وكم كان ممتعا فلا تشعر بملل مطلقا أثناء غنائه ، بل تعيش معه حالته التي يتماهي فيها وهو يغني قل للمليحة في الخمار الاسود ، ماذا فعلت بناسك متعبد ؟، فكم أبدع في تلك الأغنية بصوته وأدائه لدرجة تجعلك تري الأغنية وتتفرج عليها وأنت تسمعها منه من شدة صدقه وأدائه الصوتي ، فهو ملك القدود الحلبية ، وهي بالمناسبة لمن لا يعرفها : ( من الفنون الموسيقية السورية العربية الأصيلة التي اشتهرت بها مدينة حلب منذ القدم ، والقدود منظومات غنائية أنشئت على أعاريض وألحان دينية أو مدنية، بمعنى أنها بُنيت على قد، أي على قدرأغنية شائعة، إذ تستفيد من شيوعها لتحقق حضورها، ومن هنا جاء اسم القد.
لم أندهش في لقاء جمعني بالراحل وسألته السؤال التقليدي : متي بدأت تحب الغناء ومن سن كام بدأت تغني ؟ فقال لي : "عائلتي اكتشفت صوتي لأول مرة عندما كنت رضيعا ، وكان أحد اقربائي يتعمد إيقاظي وأنا نائم فيقوم بـ " قرصي " حتي أبكي فيسمع صوتي ، فقد كنت لدي نغمة خاصة في البكاء ، فحنجرة صباح فخري لا مثيل لها في الوطن العربي ، فهو واحد من أعلام الغناء العربي، اشتهر في أنحاء الوطن العربي والعالم وفي السجلات العالمية للمطربين كواحد من أهم مطربي الشرق، وحفلاته الغنائية جابت بلدان عربية وأجنبية كثيرة وطاف العالم وتربّع على عرش فن الغناء.
صوت صباح فخري هو قلعة حلب الثانية، كما وصفته الكاتبة السورية شذا نصار في كتابها (صباح فخري سيرة وتراث) والذي ذكرت فيه قصصا وحكايات كثيرة عن نشأته في حارة الأعجام داخل قرية القصيلة في أحد أحياء حلب القديمة حيث كان محاطا بثلة من شيوخ الطرب والمنشدين وقارئي القرآن وصانعي مجد القدود الحلبية الذين ختم معهم القرآن وتلاوة سوره في جوامع حلب وحلقات النقشبندية .. رحم الله هذا الفنان الأصيل الذي ترك لنا إرثا غنائية طربيا ستنظل نستمتع به وتتعلم منه الأجيال الحالية والقادمة ..