في عام 2019 حالفني الحظ لزيارة محطة لينينجراد النووية في روسيا، التي تضم 4 مفاعلات متطورة، 2 منها يمثلان نفس النموذج المنتظر بناؤه بمحطة الضبعة النووية في مصر، وقد كتبت حينها موضوعاً بعنوان" الطريق إلى الضبعة يبدأ من لينينجراد" في إشارة إلى التجربة الروسية الهامة في بناء وتأسيس المفاعلات النووية، واختيار مصر لأحدث تكنولوجيا في العالم لتأسيس محطة الضبعة، لتدخل رسمياً النادي النووي الدولي.
رحلة لينينجراد تعرفت خلالها أن المحطات النووية ليست مجرد منشآت خرسانية عادية، لكنها تخضع لمعايير صارمة، تتناسب مع الاستخدام والتشغيل، وطبيعة الظروف الجوية، فيشارك في بناء المحطة الواحدة أكثر من 7 آلاف أخصائي في 25 تخصصا، ويتم صب نحو 560 ألف متر من الخرسانة المسلحة، و100 ألف طن من الحديد، و200 ألف متر من الكابلات الكهربائية و120 ألف نقطة لحام، ليصبح هذا البناء الفولاذي العملاق قادر على مواجهة كل الظروف البيئية والجوية المحتملة، فلا يوجد للصدفة مكان، ولا مجال للأخطاء البشرية.
البعض يشوه مسار الطاقة النووية نتيجة ما حدث في كارثة تشرنوبيل 1986، وفوكوشيما 2011، دون الإشارة إلى الدور الكبير الذي ساهمت به هذه الطاقة الهامة في إنتاج الكهرباء حول العالم، والصناعات التي اعتمدت عليها، والمجتمعات التي تغيرت صورتها للأفضل، حتى أصبحت حصة الطاقة النووية من إنتاج الكهرباء في العالم 10.4%، يتم إنتاجها من 442 مفاعلاً، وفقاً لتقرير صادر من وكالة الطاقة الذرية حول حصة الطاقة النووية من إنتاج الكهرباء، كما أن هذه الطاقة تحافظ على البيئة من التلوث بالمقارنة مع مصادر الطاقة التقليدية، إذا ما عرفنا أن محطة الفحم تستهلك 5 ملايين طن سنويا، ينتج عنها مئات الآلاف من أطنان الغبار ومركبات الكبريت والنيتروجين، التي تسبب أضراراً بيئية خطيرة، وهذه المعلومات وفق ما جاء في كتاب "مهن الصناعات النووية".
وهنا نعود مرة أخرى إلى التجربة الصينية الثرية في مجال استخدام الطاقة النووية، فقد أدركت الصين أن الطاقة النووية هي المجال الأنسب للتوسع الصناعي المستقبلي لديها، وهي القادرة على تلبية طموحاتها في سيادة العالم خلال السنوات المقبلة، باعتبارها طاقة نظيفة، وأهم ما يميزها عن غيرها الاستدامة، ودورة الحياة الطويلة للمفاعلات النووية، التي تزيد عن 60 عاماً، الأمر الذي يجعل المنافسة في صالحها دائماً، حال المقارنة مع مصادر الطاقة التقليدية، سواء الفحم أو الديزل، بما يؤكد أن الصين لديها خطط صناعية طموحة خلال الفترة المقبلة، وسوف تعتمد على الطاقة النووية في زيادة إنتاج الكهرباء، لتتمكن من توسعة دوائر النشاط الصناعى، خاصة أن الكهرباء باتت مكون هام لمختلف الصناعات الحديثة.
بالطبع للطاقة النووية سلبيات ترتبط بالنفايات النووية التي تنتج عنها، إلا أن العالم بات أكثر خبرة وقدرة على التعامل مع تلك النفايات باحترافية، ودفنها بصورة آمنة، والتعامل معها بشكل يضمن عدم التأثير على البيئة المحيطة أو السكان في الأماكن القريبة من المحطات، بعد ما يقرب من 70 عاماً من الخبرة، وهناك عشرات الشحنات من النفايات النووية يتم شحنها يومياً عبر السفن أو السكة الحديد، دون مخاطر أو مشكلات، وهذا ما وثقته وكالة الطاقة الذرية في فيلم مصور عن رحلة النفايات النووية من المفاعلات حتى الدفن الآمن.
على الرغم من أن التجارب النووية المصرية في السابق لم تكن تتجاوز المفاعلات البحثية في أنشاص، إلا أن القانون رقم 7 لسنة 2010، نظم الأنشطة النووية والإشعاعية، وقد جاءت مادته السادسة لتشير إلى حظر استيراد أو إدخال أي نفايات مشعة أو وقود نووي مستهلك وارد من الخارج إلى جمهورية مصر العربية، أو إلقاء أو دفن أى منها فى أرضها، وفى اللائحة التنفيذية لذات القانون الصادرة في أكتوبر 2011، تناولت المادة 52 حظر السماح بالعبور الجوي أو المرور البرى أو البحري للمواد المشعة أو لوسائل النقل التي تحملها، بغير موافقة هيئة الرقابة النووية، وفى جميع الأحوال يحظر مرور أى وسائل نقل تحمل مواد أو مصادر إشعاعية أو مواد نووية فى نهر النيل.
وفى الباب السابع من لائحة قانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية تناول قضية الطوارئ النووية والإشعاعية، ومحتوياتها التى تشمل دور كل جهة من الجهات المعنية بالدولة، وتحديد مصادر المخاطر وتصنيف الحوادث والتصورات المحتملة، وتحتوي المادة 85 من لائحة قانون تنظيم الأنشطة النووية والإشعاعية على 16 خطة تفصيلية لمجابهة الطوارئ النووية خارج الموقع النووي، مثل خطة الإبلاغ، وخطة إنذار وإعلام الجمهور، وخطة الإنقاذ، وخطة الإخلاء، وكل ما سبق يؤكد أن مصر مستعدة وجاهزة لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، التي تخدم الصناعة والمشروعات القومية الجديدة، التي تعتبر عنواناً للجمهورية الجديدة.