من المؤكد أن مصر أصبحت القوة الفاعلة فى محيطها الإقليمي وفى القارة الإفريقية، وأصبحت تحمل هموم القارة فى ظل التحديات التى تواجه العالم بأثره، وخاصة فيما يتعلق بخطر تغيرات المناخ تلك الخطر الذى يعد بمثابة تهديدا وجوديا للبشرية، لكن مصر والحمد لله، تسير بخطى واثقة لتحقيق الريادة والقيادة، وذلك ظهر جليا فى كلمة الرئيس السيسى أمام زعماء العالم المشاركين، وما تقدمه الدولة المصرية من إنجازات نحو الاقتصاد الأخضر، للمشاركة بفاعلية لتجنب غضب الطبيعة، من الأعاصير والجفاف وحرائق الغابات وانتشار الأوبئة وندرة الغذاء والمياه.
فنعم مصر قامت بدور رائد فى هذا الملف، لكن يتبقى على المجتمع الدولة ان يقوم بمسؤولياته تجاه هذا الخطر، وأول هذه المسؤوليات ان يتم إنهاء الخلافات والانقسامات بين الدول الكبرى، وخاصة أن هناك توترات كبيرة بين قادة الدول الصناعية، والتي يحتلون قائمة دول العالم الأكثر مساهمة في الانبعاثات المسببة لظاهرة التغير الحرارى، وتأتى على رأس هذه القائمة، الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا واليابان والبرازيل وإيران وأندونسيا، وألمانيا وفرنسا، فالنجاح إذن مرهون على وجود دور تفاهمى بشأن الأزمة.
والأهم أيضا لنجاح قمة جلاسكو، حدوث ثقة بين دول العالم المتقدم ودول العالم النامى في ظل انعدام الثقة بين الاقتصاديات الكبرى والاقتصادات الناشئة الواعدة، ونموذجا على ذلك عدم قدرة الدول الكبرى حتى الآن على تنفيذ الالتزامات التى تضمن الوفاء بـ100 مليار دولار لدعم العالم النامى سنويا، ليكون السؤال الآن هل ستنجح قمة جلاسكو في إقناع الدول الغنية بالوفاء بوعودها بشأن المساعدات المناخية؟، وإقناع الدول الصناعية بعدم تبنى وجهة النظر التى تقوم على مبدأ المسؤولية الجماعية وتأجيل التعامل مع جانب التمويل، وإحالته للقطاع الخاص كما تتبناها بعض الدول المتقدمة؟
وأعتقد، أن عودة الثقة بين العالمين "المتقدم والنامى" تحتاج مجهودا مضاعفا في قمة جلاسكو بخلاف أي قمة سابقة، بعد أن تفاقمت أزمة الثقة بين العالمين، عندما استحوذ العالم الغنى على إمدادات لقاحات كورونا، وعدم المساواة في التوزيع، الأمر الذى سيكون له بالغ الأثر على التفاوض والتفاهم بين العالمين، ويجعل لبلدان النامية أقل استعداداً لتقديم تنازلات للتوصل إلى توافق وتفاهم لمعالجة الظاهرة.
لذا، تبقى الحقيقة واحدة حتى يتم إنقاذ الكوكب من التغيرات المناخية، هى إنهاء الخلافات والتوترات بين الكبار وعودة الثقة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية أولا، ثم يأتي بعد ذلك الإصرار ووجود الإرادة الصادقة نحو التحول العالمي إلى الطاقة المتجددة، وخفض الانبعاثات الكربونية، والاستثمار في الاقتصاد الأخضر، فقولا واحدا ستنضم هذه القمة إلا القمم السابقة من حيث الفرص الضائعة، ويتفاقم الخطر العالمى، لكن للأسف البلدان النامية المتضرر الأكبر، رغم أنّ حجم انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري لا يذكر مقارنة بالانبعاثات العالمية.
وختاما، ما يجب الانتباه إليه رغم هذه الصورة القاتمة، هو دور مصر الريادى والمؤثر في قمة جلاسكو بصرف النظر عن نجاح القمة أو فشلها، فيكفيها أنها قدمت نموذجا رائدا في تحمل مسئولياتها تجاه هذه الظاهرة بقدرتها وخططها الاستراتيجية في استخدام الطاقة المتجددة والاستثمار في الاقتصاد الأخضر بشكل أبهر العالم كله، وأشادت به كافة المنظمات والمؤسسات الدولية في مشهد يعكس قدرة الدولة المصرية في القيادة والريادة، وأخيرا لا نملك إلا الدعاء بالتوفيق لنجاح هذه القمة لأن نجاحها قطعا خير يعم على البشرية والإنسانية جمعاء..