مؤكد أن اللغة عنوان الهوية، ووعاء الثقافة والتاريخ، لهذا يعد المعجم التاريخى للغة العربية بمثابة السجل الأكبر للغة الضاد، باعتباره إنجاز معرفى ثقافى حضارى ضخم يؤرخ للمرة الأولى لمفردات للغتنا لنحو 17 قرناً من تاريخها الحافل من خلال تعريف مفصل بتاريخ اللغة من الفترة التي تسبقُ العصر الإسلامي إلى يومنا هذا.
نعم معجم اللغة العربية التاريخي إنجاز مهم للأمة العربية والإسلامية، لأن هذا المشروع يسعى لكتابة تاريخ كل مفردة في اللغة العربية منذ أن نطق بها ناطق وحتى عصرنا الحاضر، فهو يختلف عن المعاجم الموجودة التي تشكّل 5% فقط من هذا المعجم، وفقا لما أكده الدكتور عبد الحميد مدكور الأمين العام لاتّحاد المجامع اللغوية والعلمية، والأمين العام لمجمع القاهرة في تصريحاته الصحفية.
وأعتقد أن عظمة هذا الإنجاز، أنه يعد بمثابة نموذج يدعو للفخر، لما حظى به من تعاون عربى جاد في ظل تحديات ضخمة سواء على صعيد التمويل الكبير أو صعوبة حصر الكم الهائل من ألفاظ اللغة التي ينبغي أن تجمع لتكون موارد هذا المعجم، لكن بفضل الله تعالى استطاع هذا التعاون من تخطى هذه التحديات، أولا بفضل الدعم المقدر والمحمود من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، والذى أطلق سموهالمجلدات الـ17 الأولى،وبفضل التوظيف والاستخدام الجيد للثورة التقنية وتقنية الذكاء الاصطناعى، لاستيعاب جميع الألفاظ العربية واستعمالاتها عبر جميع العصور بدءًا من العصر ما قبل الإسلام حتى عصرنا الحديث، لذلك فإن هذا المشروع يجسد معنى التعاون المثمر للأشقاء العرب، فلك أن تتخيل قيمة وعظمة مشروع يعمل فيه أكثر من 300 باحث ومختص، بإشراف اتّحاد المجامع اللغوية والعلمية في القاهرة، فيما يتولى مجمع اللغة العربية في الشارقة، فيما يدير اتحاد المعاجم في القاهرة اللجنة العلميّة للمشروع.
وتزداد قيمة معجم اللغة العربية التاريخي وأهميته، أنه يأتي في وقت تتعرض فيه لغتنا الجميلة لهزات عنيفة أغرقتها فى الضعف والتردى، ليؤكد أنه ما زال هناك جنود يسعون جاهدين لحمايتها والحفاظ عليها بعد أن هجرها بعض من أبنائها، وبعدما اشتدت عواصف التغريب، والتهوين من أمرها، بل أصبح هناك من أهلها يتفاخرون بالحديث بغيرها، واستبدالها بلغات أجنبية في التعليم واكتساب وسائل المعرفة.
وختاما، علينا أن لا ننسى أن اللغة العربية هي التي تحفظ وحدة الأمة، تلك الوحدة التي أمر الله تعالى بها في قوله عز وجل "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"، وهى اللغة التي خاطبنا بها رب العزة ونبيه الكريم، فتحية تقدير للقائمين على هذا المشروع العظيم، آملين من الله التوفيق والسداد حتى يكتمل هذا العمل على خير وسلام، وإطلاقه في صورته النهائية إن شاء الله رب العالمين كما هو مخطط له..