فى ظل سيطرة وسائل الحداثة على العقول وكثرة استخدام الجوانب السلبية لها فى الحياة العامة في مشهد مؤسف نعترف به جميعا، ونعلم علم اليقين مدى تأثير هذا على الأخلاقيات العامة، لما تحدثه هذه الاستخدامات السيئة من انفلات واستخفاف بالقيم والثوابت المجتمعية، الأمر الذى اعتبره خبراء التربية وعلماء الاجتماع والدين بمثابة خطر يهدد السلم العام، بل يفتح الطريق أمام انهيار القيم الأخلاقية بانتشار جرائم العنف الأسرى والحوادث الزوجية، وإدمان الشباب، وضياع الرمز، والقدوة والمثل الأعلى بين فئات المجتمع المختلفة.
ودائما، ما يؤكد علماء الدين وخبراء التربية، أننا نحتاج إلى وعى بقيمة وأهمية الرمز أو المثل الأعلى، لأن غياب مثل هذه القيم يفتح الطريق نحو فوضى الفكر والرأى، ونسيان أن لنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، كما قال عز وجل، "لقد كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"، لذلك فنحن في أمس الحاجة إلى توسيع المشاركة المجتمعية للشباب، وإعادة النظر إلى تطوير مؤسسات بناء الإنسان سواء في التعليم والثقافة والإعلام، بما يساعد إلى عودة القدوة من جديد.
لذلك تصبح قضية الوعى، السلاح الأول في المواجهة، باعتبارها ضرورة حتمية تستوجب مشاركة الجميع "مؤسسات وأفراد" لترسيخ نماذج القدوة الحسنة، وما يدل أيضا على أهمية القدوة في حياتنا، أن الله عز وجل جعل لعباده أسوة عملية فى الرسل والصالحين من عباده، فأرسل الرسل، وأمر باتباعهم، والاقتداء بهم، فقد الله تعالي، "أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده".
لذا، فإن إحياء القدوة ضرورة تبدأ من الأسرة منذ الطفولة، فالأب والأم قدوة بأفعالهما وسلوكهما، وكذلك المعلم في المدرسة والأستاذ في الجامعة، والإمام على منبره، والعامل في عمله، وأهم ما يتطلب لإحياء القدوة أيضا أن يكون هناك مرجعية للشباب، توجههم وتحميهم سواء في مراكز الشباب أو النوادى، لأن غيابها يؤدى قطعا إلى سوء الاختيار واستبعاد الأكفاء، وخلق بيئة مناسبة لأهل التطرف لاستقطاب الشباب إلى أفكارهم وملء فراغات الحياة بنشر الفكر الإرهابى وصناعة الإحباط والاكتئاب فتكون نتيجة هذا انتشار للعنف والبلطجة والإدمان في الشوارع والبيوت والمدارس، لأن بضياع الرمز وفقدان القيمة سنجد امتهانا لدور الأب والأم وإزالة للهالة المقدسة حول كيانات ومفاهيم محل تقدير وتقديس، ونجد أيضا ترديا للأداء المؤسسى فى كثير من المجالات، وظهور نجوم مؤقتة زائفة لم تستطع مهما كان بريقها ملء الفراغات، فتعم السطحية ويسود مناخ الشك التي هو آخذ في الاتساع، وتبدأ ثقافة المكبوت والمحرم تعبر عن نفسها من خلال عالم افتراضى لا ضابط فيه ولا رقيب، فتحدث تحولات اجتماعية كبيرة تتبدل فيها الأمزجة والمواقف والانطباعات، فنكون أمام تصرفات أفراد لم نعهدها من قبل.
وأخيرا، ليس أمامنا إلى أن يقوم كل بدوره نحو صناعة وعى جمعى يهدف إلى بناء الإنسان تعليميا وصحيا وثقافيا واجتماعيا، والعمل على عودة القدوة والمثل الأعلى من جديد، بالحفاظ على الثوابت الوطنية والأخلاقية، ليعم السلام، ويسود التسامح، وتعود قيما عزيزة علينا تحمينا من كل سوء..