عندما تسمع موسيقى الموسيقار العراقى الكبير نصير شمة تشعر أن الدنيا لسه بخير، وأن الإنسان الذى بداخلنا لا يزال قادرا على التنفس، لم يمت كمدا وغيظا من الفنون السهلة التى تفرض نفسها علينا، ولم تدفنه الوقائع والأحدث والصراعات الحقيقية والوهمية التى نضع أنفسنا فيها.
أحب موسيقى نصير شمة منذ قديم، وكلما استمعت إلى إبداعه أشعر كأنى أسمعه للمرة الأولى، وبالأمس شاءت الظروف أن أستمع إلى جزء من حفلته التى قدمها فى أولى ليالى مهرجان أصدقاء قصر المنيل للموسيقى، واستوقفتنى رائعته "مدن النرجس" بحسها العربى الخالص، الذى تميز به نصير شمة.
هذه المقطوعة فيها من الفخر والرثاء ما فيها، وعلينا أن نعلم أن نصير شمة أبدعها فى احتفالية اليونسكو بمدينة أربيل العراقية، لكن الأمر يتجاوز مدينة معينة، ومن الممكن أن نسمعها ونحن نفكر فى كل المدن التى نحبها القاهرة ودمشق وبغداد وصنعاء والدار البيضاء والخرطوم والمدينة المنورة وغيرها من المدن ذات القيمة الحضارية.
عندما يعزف نصير شمة يكون الحضور بالفعل كأن على رؤوسهم الطير، لا صوت يعلو فوق صوت النغم، حيث تنساب الموسيقى كأنها النغمة الأولى للحياة، كل شيء جاء من الموسيقى الحب والعطف والتراحم والإنسانية والنصر والمقاومة، مشاعر كثيرة عدة تحلق فى المكان، وتفرض سلطانها على المستمعين، قبل أن يعودوا مرة أخرى إلى الشارع المكتظ بالواقع.