إزالة الصناديق الخشبية والحديدية من المساجد على مستوى الجمهورية، أحد القرارات الهامة التي صدرت الأسبوع الماضي، من الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، تدخل معه المساجد عصراً جديداً، يُحكم السيطرة على الأموال والتبرعات من ناحية، ويخفف الأعباء على لجان الجرد والمراجعة والمتابعة، التي تشرف على آلاف المساجد في مختلف أنحاء الجمهورية من ناحية أخرى، خاصة أن التبرعات قد تبدأ من 50 قرشاً، وهذا يخلق عبء كبير على الموظفين ولجان الجرد، ولك أن تتخيل مبلغ 10 آلاف جنيه من عملات معدنية وورقية فئة جنيه و50 قرشاً، يمكن أن تملأ جوال زنة 50 كيلو جرام.
لا يخفى على أحد أن صناديق التبرعات داخل المساجد في القرى والريف كان يتم استغلالها من قبل البعض، وقد يتم توجيه أموالها هنا أو هناك، خاصة أنه في ظل غياب الرقابة والإشراف والمتابعة المباشرة والمعرفة الدقيقة بحجم ما يتم وضعه في هذه الصناديق تصبح باب خلفي للتلاعب بأموال الأصل فيها أنها لعمارة المساجد، لذلك القرار كان ضرورياً وهاماً، فلم يعد مقبولاً أن نسمح لمن يضعون الصناديق الخشبية أمام أبواب المساجد لاستجداء المصلين يوم الجمعة، أو في المواسم والأعياد، فبيوت الله أغنى من كل هذا، وتتكفل وزارة الأوقاف بكل احتياجاتها ولا تقصر في ذلك.
وجه آخر للقرار يرتبط بفكرة أن مصر "الجمهورية الجديدة"، والمستقبل القادم، لا يمكن أن يكون جمع التبرعات فيها من خلال الصناديق الخشبية على أبواب مساجدها، بل يجب أن يكون من خلال حسابات بنكية معلنة، تخضع لرقابة البنوك والجهات المؤسسية المعتبرة، المؤتمنة على الأموال، والقادرة على إدارتها بالوجه السليم، الذى يتفق مع صحيح القانون، ويضمن أن تصل التبرعات للأغراض المخصصة لها، دون أن تتعرض للنهب والسرقة، ودون أن تكلف الدولة موظفين ومشرفين وعمال يحصرون هذه الأموال ويجردونها بين الحين والآخر، وهذا عمل لو تعلمون عظيم.
أتصور أن مساجد النذور والأضرحة الموجود بها صناديق كبيرة وتتلقى تبرعات ضخمة، مثل السيدة زينب والحسين، سيصدر لها قرارات وضوابط واضحة للتعامل مع الأموال التي تجمعها، وهذا ما ذكره قرار وزير الأوقاف، بحيث يتم ضبط حجم الأموال الكبيرة بـ "الملايين"، التي تجمعها هذه المساجد، وهذا كله من أجل الصالح العام، ودرء الشبهات، وحماية حقوق وأموال التبرعات، وتوجيه الأمور إلى نصابها الحقيقي، وتقديم المصلحة العامة على ما دونها.
في الوقت الراهن بات لدى أغلب المواطنين حسابات بنكية، وتطبيقات على الموبايل تمكنهم من التبرع في أي وقت وبأى مبلغ للجهة التي يرغبون، سواء كانت مسجداً أو مستشفى أو مؤسسة خيرية، تخضع للضوابط والقوانين المصرية، ولها حسابات معلنة لهذا الغرض من جانب البنك المركزى، لذلك ليس من المعقول أن نتحدث عن أموال سائلة يجمعها مواطنون من أجل المساجد، بحيث يتم استغلال بيوت الله على نحو لا يليق، لذلك قرار الدكتور محمد مختار جمعة، يستحق منا كل تقدير وإشادة، ويؤكد أن هذا الرجل يرفع دائما شعار مكافحة الفساد وتجفيف منابعه، بل أكثر من ذلك استطاع السيطرة على المساجد، وحماية منابرها من الغلو والتطرف.