أتعامل دائما مع ترشيحات الناقد الكبير محمود عبد الشكور على أساس أنها نصائح، لذا كلما أشار إلى فيلم وتحدث عنه سارعت إلى مشاهدته، ومؤخرا تحدث عن فيلم Minamata (ميناماتا) من بطولة النجم العالمى جونى ديب، ومن إنتاجه أيضا، فشاهدته.
يحكى الفيلم قصة أحد المصانع فى اليابان فى سنة 1971 كان يلقى نفاياته فى أحد البحار، والبحر يعيش على جانبه مجموعة من الصيادين الفقراء، والنفايات بها مادة الزئبق التى تنتقل إلى الأسماك ومنها إلى الصيادين الفقراء، هذا التلوث كان له أثره الخطير على المخ، فأصيب الناس بالشلل والتشوهات الجسدية الصعبة جدا التى لن تحتمل رؤيتها فعلا، ولأن الناس فقراء فلا المصنع اهتم ولا الدولة هناك سمعت صراخهم، لذا كانوا فى حاجة كبيرة كى يجعلوا قضيتهم عالمية، وهنا لجأت إحدى الفتيات اليابانيات المتعاطفة مع القضية إلى المصور الصحفى الأمريكى يوجين سميث، ذلك العجوز الذى يقف على الحافة فى كل شىء.
الفيلم حافل بالمشاهد الإنسانية، ولكن استوقفنى حوار عندما دخل "يوجين سميث" إلى المصنع والتقى برئيسه، وراح الرجل اليابانى يقلل من الخطورة يقول "هل سمعت بنظرية الواحد فى المليون، إن المادة المستخدمة هى واحد فى المليون، لا تكاد تظهر"، وذهب الرجل يدافع عن مصنعه، متناسيا الآلام التى يعيشها الناس، ورافضا حتى دفع تعويضات للمصابين الذين كان معظمهم فتية وفتيات بدأوا حياتهم بالألم ولن ينتهوا أبدا إلا بالموت، فى الوقت الذى كان مستعدا لدفع رشوة للمصور قيمتها 50 ألف دولار.
إن جملة "واحد فى المليون" جملة متوحشة بالفعل تدل على الرأسمالية بهذه الطريقة لا ترى فى آلام الناس سوى نسبة مئوية تقال أمام شخص أو فى مؤتمر صحفى.
المهم أن يوجين سميث استطاع أن يلتقط صورة لأم تحتضن ابنتها العارية المشوهة بشدة فى غرفة الاستحمام اليابانية التقليدية، ونشرها فى مجلة لايف، وكانت هذه الصورة حديث العالم وقلبت الدنيا رأسا على عقب.
تعكس قصة هذا الفيلم، وهى قصة حقيقية حدثت بالفعل، بكل تفاصيلها، كيف أن العالم ممتلئ بالأزمات التى تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها، وكشفها، وأن نسعى جميعا لتحطيم نظرية الواحد فى المليون.