في أسرع وقت يمكن أن تتلقى فيه احدى موجات حروب الجيل الخامس هزيمة قاسية وصفعة مدوية، هي هذه المرة التي فوجئ فيه المصريون بفيديو قديم للقس الملعون والمطرود من الكنيسة زكريا بطرس منذ حوالي 18 عاما يعاد بثه مرة أخرى ويهاجم فيه الرسول الكريم وللدين الاسلامي. الفيديو تقريبا يعود الى أكثر من 7 سنوات وبعد أن أصبح هذا القس " المنحرف فكريا" في كل منبر اعلامي يلجأ اليه بما فيه قناة الحياة (غير الحياة المصرية) التي تم اغلاقها بسببه عام 2010
هذه المرة كانت دليلا على نضج الوعي لدى المصريين جميعا فاللعبة أصبحت مكشوفة ولم تعد مثل هذه الأفعال الموجهة والتي يتم ادارتها من الخارج تنطلي على أحد أو ينساق وراء أهدافها الخبيثة أحد.. فكانت الصفعة وتوحد المسلمون والمسيحيون في وجه الفتنة المخطط لها وفى توقيت أغرب ما يكون.
على الفور صدر هاشتاج وطني شارك فيه الجميع للمطالبة بمعاقبة ومحاكمة الأب المشلوح للإساءة للإسلام وللنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسارعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى إصدار بيان عاجل يؤكد على احترام الدين المسيحي لكل المسلمين فى العيش فى وطن واحد وفى إخاء وسلام. وكشف البيان ان لأب سابقًا زكريا بطرس انقطعت صلته بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية من أكثر منذ 18 سنة". فهو كان كاهنًا فى مصر وتم نقله بين عدة كنائس، وقدم تعليمًا لا يتوافق مع العقيدة الأرثوذكسية لذلك تم وقفه لمدة، ثم اعتذر عنه وتم نقله لأستراليا ثم المملكة المتحدة حيث علم تعليمًا غير أرثوذكسي أيضًا، واجتهدت الكنيسة في كل هذه المراحل لتقويم فكره"
وحسب البيان، فالكاهن السابق قدم طلبًا لتسوية معاشه من العمل في الكهنوت وقبل الطلب المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث في ١١ يناير ٢٠٠٣ ومنذ وقتها لم يعد تابعا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية أو يمارس فيها أي عمل من قريب أو بعيد".
وبعدها ذهب إلى الولايات المتحدة واستضاف البعض اجتماعاته في بيوت وفنادق وحذرت إيبارشية لوس أنجلوس شعبها من استضافته وقتها.
ورفضت الكنيسة أساليب الإساءة والتجريح لأنها لا تتوافق مع الروح المسيحية الحقة "ونحن نحفظ محبتنا واحترامنا الكامل لكل إخوتنا المسلمين"
المهم فقد وأدت الفتنة في مهدها ولم يوقظها أحد بل صدوها ووقفوا صفا واحدا في مواجهتها، ولكن يبقى السؤال الأهم وهو لماذا هذا الفيديو القديم في هذا التوقيت بالذات وبثه على مواقع التواصل الاجتماعي ... وما الغرض منه ومن يقف وراءه...؟
تعالوا نستعرض المشهد السياسي الدولي وأبرز فعالياته ومؤتمراته وأحداثه حتى نعرف لماذا تم إطلاق قنبلة الدخان الان المسماة بتصريحات بطرس زكريا لزرع الفتنة الداخلية وتقويض نتائج الوضع الخارجي للدولة المصرية.
في أقل من أسبوع شاركت مصر كدولة رئيسية ومحورية في ثلاث فعاليات دولية آخرها يوم الجمعة الماضية في مؤتمر باريس بشأن ليبيا الشقيقة واجماع 30 دولة ومنظمة دولية معنية على الرؤية المصرية لحل القضية الليبية والتأكيد على مبادئ الحل الذي طرحته مصر في السابق للوصول بالشعب الليبي الى العملية الديمقراطية وبر الأمان وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية وجاءت مسودة البيان لترسخ الرؤية المصرية بأن من يحاولون عرقلة الانتخابات والانتقال السياسي في البلاد سيحاسبون وقد يواجهون عقوبات من الأمم المتحدة.وحثت المسودة، ، كافة الأطراف على الالتزام بجدول زمني للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا التي من المقرر أن تبدأ في 24 ديسمبر.كما دعت أيضا إلى تنفيذ خطة قائمة لسحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا دون تأخير.
وكان المؤتمر بمثابة شهادة نجاح للسياسة الخارجية المصرية في تبريد الجبهة الليبية – الجار الشرقي المهم لمصر- واحباط مخطط الإرهاب هناك.
الحدث الثاني هو مشاركة مصر في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في جلاسكو بإسكتلندا، وتم الاتفاق على "ميثاق جلاسكو"، الذي وافقت عليه جميع الدول البالغ عددها 197.من أجل إحداث توازن بين مطالب الدول المعرضة للتأثر بالمناخ والقوى الصناعية الكبرى، وتلك الدول التي يعتبر استهلاكها أو صادراتها من الوقود الأحفوري أمرا حيويا لتطورها الاقتصادي. ونجحت مصر في الحصول على موافقة الدول لانعقاد الدورة القادمة 2022 لمؤتمر المناخ في مصر في شرم الشيخ كدلالة على المكانة والسمعة الدولية لمصر.
أما الحدث الثالث فهو استئناف الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي في واشنطن بدعوة من الإدارة الأمريكية، بعد توقفه 6 أو 7 سنوات، وأوضحت الخارجية الأمريكية أن هذا الحوار الاستراتيجي مع مصر يمثل فرصة للنهوض بكل مجال من مجالات التعاون هذه لتحسين حياة الأمريكيين والمصريين على حد سواء. ويذكر أن الحوار الاستراتيجي الأمريكي- المصري تم ترسيخه في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون عام 1998، واستمر عقده دوريا منذ ذلك الحين باستثناء فترة توقف من عام 2009 حتى عام 2015 مع بداية إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما ومع بداية الانتفاضات العربية عام 2011
وذكرت الخارجية الأمريكية، أن القاهرة شريكة حيوية لـواشنطن، وأكدت على التزامها بتدعيم الشراكة بين البلدين والتي استمرت 40 عاما من خلال تعزيز التعاون الأمني، وتنمية العلاقات الاقتصادية، والعلاقات الثقافية المهمة.
الجولة الجديدة من الحوار الاستراتيجي بين البلدين، بدعوة من واشنطن، بما يعكس إدراك الإدارة الأمريكية جيدًا لحجم الدور المصري في المنطقة، وضرورة الاستفادة من قدراتها إقليميًا، وفقا لمراقبين.
الحوار الاستراتيجي يأتي في ظل وجود جهود دولية حثيثة لإيجاد حلول للعديد من القضايا والمشكلات في المنطقة مثل الأزمة في ليبيا وسوريا والقضية الفلسطينية والأوضاع الأمنية في الخليج والبحر الأحمر لمكافحة الإرهاب. وبالطبع إضافة الى العلاقات الثنائية والعمل على تطويرها في كافة المجالات.
مصر القوية في الخارج والدور المصري المحوري في قضايا المنطقة أصبح له صداه في الداخل، فالسياسة الخارجية في جزء ليس بالقليل منها يوظف لصالح الأوضاع الاقتصادية الداخلية وما يحدث على الأرض المصرية يكاد يشبه المعجزة الاقتصادية على أرض النيل وبشهادة المنظمات والمؤسسات الدولية، والمواطن المصري بات يدرك حقيقة الإنجازات التي تصب في النهاية لصالحه ولصالح الارتقاء بالوطن وبتوفير عيشة كريمة للمواطنين. وبات يدرك أيضا أن حرب الكراهية والشائعات لن تتوقف وستأتي موجة بعد أخرى في محاولات بائسة ويائسة لهد الوطن أو زعزعة ثقة المواطنين فيه وفي قيادته.
لكن صفعة " فيديو زكريا بطرس" تبشر بالأمل في زيادة منسوب الوعي لدى المصريين وتفويت الفرصة على " طيور الظلام" والايادي الخبيثة التي تدير حروب الجيل الخامس من تحقيق أغراضها وأهدافها الدنيئة والخبيثة. لكن علينا الاستمرار في بناء حائط الصد لوعي المصريين من خلال الاستمرار في الخوات البناءة والفعالة لسد الفجوات والثغرات التي يحاول أهل الشر النفاذ منها ومن خلال مواقع الهلاك والفساد الاجتماعي.
على ما يبدو أن نجاح مصر في جبهتها الشرقية، في ليبيا وإنقاذ الأشقاء الليبيين من مستنقع الفوضى والإرهاب، ونجاحها على الجبهة الغربية في القضاء على الإرهاب وتعديل اتفاقية كامب ديفيد في سيناء لصالح مصر جاء بمثابة الضربة الصاعقة لقوى وتنظيمات الإرهاب ومخططات الفوضى الخلاقة في المنطقة، كما أن استمرار جهود مصر ودعنها للأشقاء في السودان بما يحقق مصلحة الشعب السوداني هو برهان جديد على النجاح المصري دبلوماسيا. وانتصار سياسيا جديد ضد " صوملة" السودان وضياعه وتقسيمه.
حرب" الريموت كنترول" بتوظيف ورقة الفتنة عبر مشلوحين أو رجال دين منبوذين لن تفلح في حال استمرار التصدي لها بوعي كاف وباصطفاف وطني تتحقق له كافة المعطيات للحفاظ على الوطن سليما معافيا داخليا وخارجيا.