على مدار يومين ماضيين، امتد الحديث عن الادخار، وكيفية تعلم ثقافته، ودوره وأهميته في الارتقاء بمستوى معيشة الشعوب المتقدمة في مختلف دول العالم، وكيف تصبح مدخرات الأفراد أهم مقومات اقتصاد الدول، وأهم عوامل القضاء على الفقر ورفع مستوى معيشة المواطن اقتصادياً واجتماعياً، وانعكاسات ذلك على ارتفاع مستويات التعليم والصحة والرفاهية، التي يحصل عليها المواطن، واليوم نستكمل عملياً الإجراءات والأدوات، التي يمكن للمواطن المصري أن يوظف من خلالها أمواله ومدخراته.
أولاً الشهادات الادخارية البنكية، التي تطرحها البنوك الحكومية أو الأجنبية العاملة في مصر، بآجال 3 و5 و10 سنوات، وهذه وسيلة آمنة تماماً لحفظ مدخرات الأفراد، وتدر عائداً مناسباً يصل إلى حوالي 11% سنوياً في الوقت الراهن – يختلف من بنك لآخر- ويمكن توظيف هذا العائد في إصدار شهادات جديدة، تدر دخل شهري، وأهم ما يميز هذه الأداة أنها مضمونة وآمنة، وتعطى عائد مناسب، كما يمكن الاقتراض بضمانها حتى 90% من قيمتها الأصلية.
ثانياً الاستثمار في العقارات، خاصة أن الكثير من المصريين يتجهون نحو العقار لحفظ مدخراتهم وحمايتها في فترات التضخم وارتفاع الأسعار، ليصبح ملاذهم الآمن، لحفظ هذه المدخرات، سواء كان العقار للسكن أو الاستثمار، لكن الاستثمار العقاري الآن يعاني مشكلات كبيرة، أهمها نقص السيولة لدى الأفراد والشركات على حد سواء، وتذبذب الأسعار، وعدم التلاقي بين العرض والطلب، بالإضافة إلى أن العقار لم يعد يكافئ تكلفه الفرصة البديلة، مثل الشهادات البنكية، فلو وظف مواطن مبلغ مليون جنيه في شهادات استثمارية، سوف يصبح المبلغ 2 مليون خلال 9 سنوات، بينما لو تم شراء وحدة سكنية، لن تساوى هذا المبلغ خلال الفترة المذكورة "9 سنوات"، خاصة في ظل تخمة المعروض، وأزمات التسويق، وصعوبات البيع بنظام "الكاش".
ثالثا الاستثمار من خلال المعادن، أو الذهب بشكل عام، خاصة أن المعادن الأخرى لا تلق نفس الرواج والشهرة التي يتمتع بها المعدن الأصفر، فالأخير حقق مكاسب هائلة منذ جائحة كورونا العالمية، وصلت إلى نحو 30% خلال عامين، ومرشح للاستمرار في الصعود مرة أخرى، في ظل ارتباك الأسواق الدولية، والشك في معدلات النمو والتعافي، وإذا كنت من هواة الاستثمار في المعادن، فعليك شراء السبائك أو الجنيهات الذهبية، بدلا من المشغولات التقليدية، التي غالباً ما تفقد جزء من أسعارها، نتيجة تكاليف التصنيع، وكذلك عليك الاحتفاظ بالذهب لأكبر وقت ممكن، فهذه أداة استثمارية للاحتفاظ لا المقامرة أو المكسب السريع.
رابعاً الاستثمار من خلال أذون وسندات الخزانة المصرية، التى يطرحها البنك المركزي نيابة عن وزارة المالية بشكل دوري أسبوعياً، ويتم التصريح لعدد من البنوك العاملة في مصر للأفراد والشركات سواء المصريين أو الأجانب بشرائها، ويصل سعر العائد عليها حوالى 14.5%، وتكون آجال الأذون من 3 أشهر إلى عام، بينما السندات من 3 إلى 15 عاماً، ويتم طرح الأذون عن طريق البنوك يومي الأحد والخميس من كل أسبوع، بحد أدنى للشراء 25 ألف جنيه، بينما السندات يوم الإثنين من كل أسبوع، بحد أدنى للشراء ألف جنيه، وهذه وسائل مناسبة جداً لمن يرغب في هذا النوع من الاستثمار، لكن هناك نسبة ضرائب 20% على الأذون والسندات، تجعلها في النهاية أقرب إلى الشهادات البنكية مرتفعة العائد، إلى جانب أن الأذون والسندات يتعامل عليها المحترفون بصورة أكبر، وكذلك الشركات والمؤسسات المالية، والأفراد لا يُقبلون على شرائها، إلا أنها تتمتع بأمان كامل، ويمكن كسرها وبيعها في أي وقت بسعر السوق بعد خصم البنك العائد الذي حصل عليه العميل مقدمًا من أصل المبلغ، دون غرامات أو مدة زمنية محددة كما فى الشهادات البنكية.
خامسا الاستثمار في أسواق المال أو "البورصة"، بيع وشراء الأسهم، وهنا ستحتاج إلى شركة سمسرة، حتى تتمكن من تكويد نفسك داخل البورصة، وعقب ذلك يمكنك شراء الأسهم التي ترغب فيها، وبيعها في أي وقت كما تشاء، إلا أن البعض يتصور أن البورصة مقامرة، ويمكن أن يحصل منها على الملايين خلال أيام معدودة، وهذا اعتقاد خاطئ رسخته الدراما قديماً وحديثاً، فالبورصة وإن كانت وسيلة للاستثمار في الأموال الساخنة، وتتأثر سريعاً بالأحداث والمناخ العام، إلا أنها ليست ساحة للمقامرة، ومن يخطط للربح فيها عليه أن يتخير السهم المناسب، ويتركه يتحرك وفق المؤشرات الاقتصادية، ونتائج أعمال الشركة، ومعدلات النمو، دون العجلة، لذلك الاستثمار المتوسط وطويل الأجل في البورصة هو الأكثر قدرة على النجاح، كما أن البورصة أيضا تحتاج إلى المهتمين بأمرها، فلا تصلح لمن لا يتوافر لديهم مستوى تعليمي مناسب، على عكس كل الأدوات الاستثمارية سابقة الذكر.
بالطبع هناك أدوات استثمارية أخرى يمكن للمواطن العادى أن يوظف من خلالها مدخراته، لكن ما أوردته في السطور السابقة كان إطلالة سريعة على أشهر ما يمكن اللجوء إليه لحماية مدخرات الأفراد، بصورة تضمن الحفاظ عليها وزيادتها، وكما ذكرت سابقاً، الموضوع لا يرتبط بجحم الدخل أو المرتب الكبير والصغير، لكن بالثقافة التي يجب أن ننميها، حتى تصبح الأجيال الجديدة أكثر وعياً منا، وأكثر حرصاً على تنظيم أمور الحياة بصورة أفضل لتحقيق مستويات جيدة من التحضر والرفاهية.