الحدث التاريخي الذي تشهده مصر من مدينة الأقصر مساء الخميس بافتتاح طريق الكباش أحد أهم المعالم السياحية على مستوى العالم، وأكبر المتاحف المفتوحة على وجه الأرض، ينتظره العالم بشغف وترقب.
هذا الحدث الذي اكتمل بأياد مصرية خالصة، كان وراءه جهود علماء آثار مصريين منذ منتصف القرن العشرين وطوال أكثر من 70 عاما، هذا الافتتاح المبهر لحدث فرعوني ومصري خالص تم إنجازه بأياد وعقول مصرية خالصة.
في هذه المناسبة أتمنى أن تقوم الدولة بتكريم هؤلاء العلماء خلال الاحتفال بافتتاح طريق الكباش. وهنا نلقي الضوء على السيرة العلمية لهؤلاء العلماء الذين ساهموا بإخلاص ووفاء للوصول الى تلك اللحظة التاريخية التي تعيشها مصر.
البداية من الدكتور زكريا غنيم هو عالم آثار مصري، وعالم المصريات الذي ولد عام 1905 وتوفى في 2 يناير عاد 1959، عن عمر يناهز 54 عاماً. ومعروف باكتشافاته في منطقة سقارة عالم مصريات مصري الجنسية من قرية العبيدية، مركز فارسكور، محافظة دمياط، عائلته من أصل قبطي اعتنقت الإسلام في القرن التاسع عشر.
عمل غنيم قبل الحرب العالمية الثانية في منطقة سقارة معبد أوناس. قضى فترة الحرب في الأقصر وبدأ أعمال الحفر والتنقيب عن طريق الكباش. ويعد الدكتور زكريا غنيم طبقا للتسلسل الزمني هو أول من بدأ التنقيب والكشف عن الطريق عام 1949 وتمكن من الكشف عن 8 تماثيل لأبي الهول، ثم عاد إلى سقارة ليعمل على الهرم المدرج للفرعون سخم خت بالتعاون الوثيق مع جان فيليب لاور الذي كان يعمل على الهرم المدرج لزوسر.
اكتشف الدكتور غنيم الهرم الناقص الخاص بالملك سخم خت في سقارة في نفس الوقت. وأصبح اسم مصر يتردد على كل الألسنة.. وحضر الرئيس جمال عبد الناصر ومعه رجال الثورة بطلب من الأستاذ هيكل لزيارة الكشف الجديد.. وكانت زيارة تاريخية أظهرت احترام رجال الثورة للآثار.
انتهى مستقبله المهني عندما اتهم بسرقة وتهريب الآثار، بالرغم من عدم وجود أدلة (وقد تمكن صديقه الأثري الفرنسي جان فيليب لاور من العثور على الدليل على براءته) إلا أن غنيم انتحر غرقاً في النيل عام 1959، وعائلته من أصل قبطي اعتنقت الإسلام في القرن التاسع عشر.
أما عالم الآثار الثاني الذي كان له الفضل في استكمال عملية الكشف والتنقيب عن طريق الكباش هو الدكتور محمد عبد القادر في الفترة ما بين أعوام 1958- 1960 وقام بالكشف عن 14 تمثالا لأبي الهول.
واسم عالم الآثار المصري الدكتور محمد عبد القادر تردد كثيراً في العامين الأخيريين بكافة وسائل الإعلام المصرية والعالمية، بعد الانتهاء من تجميع وترميم وإعادة تركيب تمثال رمسيس الثاني في اليوم العالمي للتراث، والذي وجد محطماً لعشرات القطع.
وكان الراحل الدكتور محمد عبدالقادر، قد قام بتجميع بلوكات التماثيل وترميمها ووضعها على مصاطب خشبية بجوار مكانها الأصلي لحمايتها حتى بدأت وزارة الآثار عام 2017 في ترميم وإعادة تركيب ورفع وإقامة هذه التماثيل الواحد تلو الآخر، وأكد بعض الأثريين أن تحطيم تمثال رمسيس الثاني الذي اكتشفه محمد عبدالقادر كان نتيجة زلزال حدث في عصر رمسيس الثاني، والذي دونت السجلات التاريخية أنه في العام 31 من حكم الملك حدث زلزال مدمر نتج عنه تدمير أجزاء من معبد أبو سمبل.
ولد الدكتور محمد عبدالقادر فى القاهرة عام 1920 وتوفي عام 1985م، وهو خريج كلية الآداب جامعة القاهرة عام 1937م، تولى عمادة كلية الآداب بالمنصورة في ثمانينات القرن الماضي، وتفوق على كافة الأجانب في علم المصريات الذي وقال المؤرخ الأثري فرنسيس أمين عنه ان التاريخ الأثري في علم المصريات سيذكر مجهوداته الخارقة في ترميم مقابر النبلاء، والتي كان يحفظ مناظرها عن ظهر قلب.
قام عبدالقادر بإعداد دراسات علمية في حقل الآثار في أربعينيات القرن الماضي، وتم تعينه عام 1946م في مصلحة الآثار المصرية. وفي عام 1951م درس في جامعة كمبرج البريطانية وحصل على الدكتوراه 1957م، وكان موضوع دراسته "تطور المعتقدات الجنائزية كما تبدوا في مقابر أفراد طيبة وهي الدراسة الأثرية العميقة التي أجبرت علماء الآثار الأجانب على الإشادة بها، والتي جعلته من أهم العلماء المصريين الذين حافظوا على مقابر النبلاء وأجرى بها الكثير من الترميمات.
في عام 58 انتقل للعمل كمدير آثار الأقصر وأشرف على مشروع الرئيس جمال عبد الناصر لتطوير 5 مدن آثرية ومنها مدينة الأقصر العريقة محققا الكثير من الاكتشافات وهو الأثري المصري الوحيد الذي ابتكر طريقة لحماية مقابر النبلاء من الحشرات والزواحف السامة بوضع شبك حديد على مداخلها لوقايتها. واكتشف جبانة قبطية أمام معبد الأقصر وبازليكيا في الناحية الجنوبية من معبد الأقصر، وعدد ضخم من التماثيل وبقايا المباني والكشف عن أول طريق الكباش حيث اكتشف بقايا مدينة رومانية علي طريق الكباش وحوالي 60 تمثالا، وهو ما لم يتكرر من قبل، كما قام بإعادة كتابة تاريخ معبد الأقصر بمبانيه وأجزائه ومقاصيره والعصور التي تعاقبت عليه هو من أعاد لنا خريطة الأقصر من شرقها لغربها.
وفى عام 1962 تمكن عالم الآثار الراحل الدكتور محمود عبد الرازق من الكشف عن 64 تمثالاً جديدا، حيث استكمل العمل من امام معبد الاقصر حتى قسم شرطة الاقصر القديم وجامع المقشقش.. هذا القطاع كشف عنه الدكتور عبد الرازق الذى كشف عن التماثيل على جانبى الطريق وكشف عن بقايا مدينة رومانية تمتد الى الشرق والغرب من طريق الكباش حتى قصرى يسى اندراوس.
توفى الدكتور محمود عبد الرازق في 23 ديسمبر العام الماضي حيث نعته جامعة قناة السويس اثر اصابته بجروح خطيرة في حادث مروري وقع على طريق القاهرة /الاسماعيلي الصحراوي اول امس. ونعته كلية السياحة والفنادق وقالت في بيان ان مصر خسرت قامة علمية فريدة في علم الاثار حيث كان الفقيد صاحب الكشف عن اكبر عدد من تماثيل ابو الهول في طريق ابو الهول (طريق الكباش) الذى كان يربط بين معبدي الاقصر والكرنك طريق الاحتفالات التي كانت تسير به المواكب المقدسة للملوك والآلهة.
وقام الدكتور عبد الرازق بالكشف عن 64 تمثال لأبى الهول فى الفترة من 1961_1964 كما قام بالكشف عن نصوص بمنطقة العين السخنة التى تتحدث عن البعثات التى ارسلت خلال الدول القديمة والدولة الوسطى لإحضار النحاس والفيروز من سيناء والتى بلغ عددها 60 نصا والكشف عن عدد من المغارات والافران التى استخدمت فى صهر مادة المالاكيت وكذلك الكشف عن مدينة للعمال فى المنطقة وله العديد الابحاث والمراجع بعدة لغات مختلفة الانجليزية والالمانية والفرنسية.
توقفت أعمال الكشف عن طريق الكباش لأكثر من عشرين عاما، بعد اكتشافات الدكتور محمود عبد الرازق
ويأتي بعد الدكتور محمود عبد الرازق في استمرار التنقيب والكشف عن طريق الكباش عالم الثار المصري الراحل الدكتور محمد الصغير أبو عقيل من 1984 وحتى 2002 حيث قام بالكشف عن الطريق الممتد من الصرح العاشر حتى معبد موت والطريق المحاذي باتجاه النيل.
ويلقب الدكتور الصغير بعميد الأثريين في الأقصر حيث قضى حياته عاشقا لحضارة أجداده الفراعنة، وأثرى العالم أجمع باكتشافاته الأثرية في مصر وتولى منصب رئيس قطاع الأثار المصرية الأسبق، مستشار وزير الثقافة. وهو أحد كبار علماء الأثار المصرية في العالم. ومكتشف خبيئة معبد الأقصر وطريق الكباش بالأقصر، ومعبد كومير بإسنا. وله ايادى بيضاء على الاثار ولد الدكتور محمد الصغير في مركز جهينة بمحافظة سوهاج عام 1939و تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة قسم الآثار عام 1962.كان عضوا نشطا في العديد من الجمعيات واللجان: مثل «الإيكوموس» ولجنة إنقاذ معبد الرمسيوم في باريس، ومركز الدراسات الأثرية بإيطاليا، واللجنة الدائمة للآثار المصرية المركز المصري الفرنسي لصيانة معابد الكرنك وغيرها.
شارك الصغير في عمليات حفر واستكشاف عديدة، منها اكتشاف معبد في قرية قمير جنوب إسنا، وحي بمنطقة "أبو الجود" بالأقصر، "خبيئة" معبد الأقصر، وأشرف على حفائر معبد "إتريب" غرب سوهاج، كما اكتشف مقصورة لسنوسرت الأول في المنطقة الواقعة بالقرب من معبد إسنا، بالإضافة إلى اكتشاف مقياسا للنيل، وميناء مرتبط بمعبد الأقصر.
وحصل على أوسمة، فارس من رئيس وزراء اليونان عام 1977، وميدالية إيزيس من مدير عام اليونيسكو عام 1979، ووسام وزارة البحث العلمي الفرنسية 1986، كما حصل على درع نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 1986، ودرع جمعية حقوق الإنسان، ودرع جمعية أصدقاء السائح، ومفتاح مدينة نيو أورلينز بالولايات المتحدة.
وتولى منصب رئيس قطاع الآثار المصرية الأسبق، لما أعطاه من جهد للحفاظ علي تراث مصر الأثري وإثراء الحياة الأثرية.
وقبل أن يرحل الدكتور محمد الصغير في يوليو عام 2019كرمه الدكتور خالد العناني وزير الآثار، ولقبه باسم "عميد الأثريين". وتسلم الجائزة نجله مصطفي الصغير الباحث بالمكتب العلمي لوزير الآثار
ثم يأتي عالم الآثار المصري الدكتور منصور بريك الذي شغل منصب مدير عام الآثار بالأقصر والمشرف على تطوير طريق الكباش عام 2006م بإعادة أعمال الحفر للكشف عن باقي الطريق بمناطق خالد بن الوليد وطريق المطار وشارع المطحن بالإضافة إلى قيامة بصيانة الشواهد الأثرية المكتشفة ورفعها معماريا وتسجيل طبقات التربة لمعرفة تاريخ طريق المواكب الكبرى عبر العصور
الدكتور منصور بريك عالم المصريات والذى تولى الاشراف على آثار الأقصر ومصر العليا هو صاحب القدر الاكبر من الحفريات فى طريق الكباش عن جدوى كشف المشروع فى ظل غياب أجزاء من معالمه، فأكد أن التخوف زال عند الكشف عن اكثر من 261 تمثالا مرة واحدة مع بداية أعمال الكشف وهو ما فند مزاعم من يدعون اختفاء الطريق وقتها، اما من يقول ان بعضها متهدم فهو قول منقوص لأن هؤلاء لا يعرفون اهمية هذا الطريق وما يعكسه من قيمة اثرية ضخمة واضافة لهذا البلد العريق. وهو من مواليد الجيزة أغسطس 1960
وحاصل على ليسانس الآثار المصرية جامعة القاهرة كلية الآثار عام 1982 و دبلوم دراسات عليا في آثار ما قبل التاريخ بتقدير جيد جداً – جامعة القاهرة كلية الآثار. عام 91 وماجستير في الآثار المصرية من جامعة الزقازيق عام 2010 ودكتوراه في الآثار المصرية من جامعة الزقازيق عام 2011
وكان لوجود الدكتور سمير فرج الأثر الأكبر في إحياء المشروع من جديد وظهور الطريق إلى النور من خلال القرارات الجريئة التي قام بها بموافقة مجلس الوزراء في نزع جميع الأراضي ووضعها تحت بند منفعة عامة مما أسرع من عجلة العمل وذلك بتسخير كل القوى لتسهيل عملية الحفر.
والدكتور اللواء سمير فرج ولد في 14 يناير في مدينة بورسعيد، وتخرج من الكلية الحربية عام 1963 بتقدير امتياز والتحق بسلاح المشاة، ليتدرج في المناصب العسكرية حتى منصب قائد فرقة مشاة ميكانيكي. وتخرج من كلية أركان حرب المصرية في عام 1973، والتحق بعدها بكلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا في عام 1974، وعُيّن مدرساً بها فور تخرجه منها ليكون بذلك أول ضابط من خارج دول حلف الناتو والكومنولث يُعين في هذا المنصب.
وحصل أيضاً على ليسانس الآداب قسم التاريخ من جامعة عين شمس في عام 1979 ودبلوم إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1982 ودرجة الدكتوراه عن «دور الإعلام في إعداد الدولة لتحقيق الأمن القومي المصري».
تولى العديد من المناصب في القوات المسلحة المصرية في هيئة العمليات وهيئة البحوث العسكرية. وعمل مدرساً في معهد المشاة ومدرسا بكلية القادة والأركان كما عين مديراً لمكتب مدير عام المخابرات الحربية.
شارك في حرب أكتوبر 1973 حيث كان ضابطا عمليات في "مركز 10" ضمن عمليات القيادة العامة للقوات المسلحة وكان أصغر ضابط سناً ورتبة في ذلك الوقت
وتولى مدير إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية لمدة 7 أعوام في الفترة من 1993 إلى 2000، كما عين ملحقاً عسكرياً إلى تركيا في الفترة من 1990 إلى 1993
وتولى رئاسة المجلس الأعلى لمدينة الأقصر في عام 2004، وقام خلالها بالعديد من المشروعات التنموية مثل تنفيذ مشروع لإعادة فتح طريق الكباش الذي كان يصل مابين معبدي الأقصر والكرنك، وتطوير الساحة الأمامية لساحة معبد الأقصر ومسجد أبو الحجاج، تطوير الساحة الأمامية لمعبد الكرنك وهدم كافة العشوائيات التي كانت تعيق الرؤية أمام المعبد، وإنشاء أول مكتبة عامة بالأقصر، إنشاء أول مكتبة متخصصة لعلوم المصريات في الشرق الأوسط، وفي عام 2009 تم تحويلها إلى محافظة وعُين أول محافظ لها، وشغل هذا المنصب حتى عام 2011.
كما شغل منصب مدير دار الأوبرا المصرية في الفترة من عام 2000 حتى عام 2004، وقام خلالها بتجديد وإعادة افتتاح مسرح سيد درويش بالإسكندرية، وتطوير وإعادة افتتاح معهد الموسيقى العربية بعد عقود طويلة من إغلاقه، وتطوير متحف دار الأوبر المصرية، وإنشاء متحف مقتنيات الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب.