الكل يتحدث عن أوميكرون، المتحور الجديد لفيروس كورونا، ومخاطر انتشاره وصعوبة السيطرة عليه، خاصة أن العالم لم ينجح بالنسبة المقبولة في تجاوز آثار الفيروس التقليدي، الذي ألقى بتبعاته على المجتمع العالمي، وإحدث تغيرات جذرية على مستويات عديدة، خلال العامين الماضيين، كما أن اللقاحات لم تصل إلى النسب المطلوبة في العديد من دول العالم، لاسيما آسيا وإفريقيا، فعلى الرغم من أن عمليات التلقيح تتم منذ عام كامل، إلا أن وتيرتها ليست متسارعة كما ينبغي أن تكون.
الحكومات تقدم ما لديها من حلول منذ حلول جائحة كورونا العالمية، وقد حرصت على توفير الكمامات والمطهرات بالأسواق، وكذلك التطعيمات المجانية، وإجراءات الغلق الجزئي والكلى، وتحمل التكلفة الاقتصادية والاجتماعية، التي خلقها انتشار الفيروس، إلا أن المشكلة لا تكمن فقط في التفاعل الحكومي، لكنها ترتبط أساساً بوعى المواطن وقدرته على اتخاذ الإجراءات الاحترازية والالتزام بها لأطول فترة ممكنة، والابتعاد عن المناطق المزدحمة أو البيئة الحاضنة للعدوى، واتباع سياسة التباعد الجسدي، التي أثبتت فاعلية كبيرة في التعامل مع كورونا، بل وأمراض أخرى أيضاً.
قضية أخرى ترتبط بانتشار المتحور الجديد أوميكرون وهي ذروة تفشى فيروس الانفلونزا الموسمية خلال هذه الفترة من العام، التي تصيب مئات الملايين، وتقتل عشرات ربما مئات الآلاف، وهذا بدوره يسهم في نشر عدوى المتحور الجديد، ويضغط على البنية الصحية والطبية للمستشفيات، ويدفع الأنظمة الصحية نحو الفشل، وعدم القدرة على السيطرة، لذلك بات انتشار الانفلونزا في الوقت الراهن خطر كبير.
صحيفة نيويورك تايمز ذكرت بالأمس إن المعركة ضد متحور كورونا الجديد "أوميكرون" تعيقها الاستجابة المفككة من الدول حول العالم فى التعامل مع هذا التطور الجديد، فالكل تعامل بطريقة مجزأة، تم خلالها تبادل الاتهامات ومنع السفر، وهو ما كان دوما يعرقل التعامل مع الجائحة.
الطرح الذي قدمته الصحيفة الأمريكية واقعي تماماً، فالدول لم تتخذ إجراءات كافية لمواجهة الفيروس ومتحوراته فعلياً، بل لجأت إلى حلول شكلية، وتفرغت إلى تبادل الاتهامات مع الدول التي ظهر فيها الفيروس أولاً، وانشغلت بفكرة التخليق والتصنيع، في حين أنه لا يمكن لأي أمة عاقلة أن تصنع أو تطور ما يفتك بها وبالعالم أجمع، لذلك كانت الحلول قاصرة، والجهود البحثية بطيئة، وغير كافية للتعامل مع الفيروس.
المتحور الجديد "اوميكرون"، الذي ظهر للمرة الأولى في جنوب إفريقيا، ليلقى بظلاله على القارة السمراء، ويدفع نحو المزيد من التحديات لأبنائها، حيث يصل عدد سكانها إلى أكثر من 1.3 مليار نسمة، وما يحدث بها الآن وفى المستقبل القريب يؤكد أن الغرب كان أكثر أنانية في التعامل مع قضية اللقاحات، وعمليات التخزين التي تمت على حساب الدول الفقيرة، والتي سوف يدفع ثمنها الغرب، بل العالم كله، فلن تمنع إجراءات منع السفر وإغلاق المطارات، من تفشى المرض، وتجربة كورونا الأولى خير دليل، لذلك يجب أن يتعامل العالم بصورة أكثر عدلاً ويتعاون مع الدول الفقيرة في توفير اللقاحات والأدوية المعززة لمواجهة المتحور الجديد، وتقديم الدعم الحقيقي، دون أن يكون الموضوع مجرد إجراءات باتت روتينية، لن تمنع الفيروس من الوصول إلى كل دول العالم.