مازال الحديث متواصل عن "الفهلوة في زمن السوشيال ميديا" حيث تحدثنا في مقال سابق عن خطورة انتشار هذه الظاهرة، وخاصة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وسيطرة العالم الافتراضى على حياتنا اليومية، لدرجة وصلت إلى أننا أصبح الكثير لايزال يصدق كل ما يقال وما ينشر وما يكتب على صفحات ومنصات السوشيال ميديا دون تمحيص أو تدقيق، فكانت النتيجة سيولة فكرية جارفة، وظهرت شخصيات مزيفة أصبحت تحتل مكان الكفاءات وأهل الخبرة والمهنة من خلال قدرتهم على جذب المتابعين وإجادة جمع اللايكات وإثارة الجدل.
ومكمن الخطورة، أن ظاهرة الفهلوة أصبحت طريقا سهلا لصعود درجات السُلم الاجتماعى، فوجدنا أشخاصا لا مهنة لهم ولا ثقافة لديهم وأصبحوا رموزا بدوائرهم الاجتماعية، فها هو يلقب نفسه بالصحفى وهذا يسمى نفسه الإعلامى وذاك محكم عرفى، لنصل في النهاية إلى أن أصحاب الفهلوة يتفوقون على أهل العلم والثقة، ويصل بهم الأمر إلى التبجح بعمل كارنيهات وهويات شخصية تؤكد كذبهم ونصبهم وانتحالهم والعجيب أنهم يجدون من يصدقونهم ويسمعون إليهم ويتابعون صفحاتهم.
وفى ظل الثقافة العشوائية السائدة على صفحات أصحاب الفهلوة، تزداد ظاهرة التبجح لديهم يوما بعد يوم، لتصل شخصيتهم للانتفاخ والتكبر والتحذلق، والتظاهر بالمعرفة والعلم، ودائما ما تبحث تلك الشخصية الفهلوية عن الأوساط الأمية، والحكايات المثيرة، متخذة عدة أساليب مختلفة للإقناع والترويج لما يقولون واصفين أنفسهم بالنخبويين، والعجيب أن تجد منهم من يدعى أن مثله الأعلى طه حسين وهو لم يقرأ له كتابا واحدا فيكفيه أنه شاهد مسلسل الأيام، وأخر ينتصر لعباس العقاد وكل ما يعرفه عنه أنه لم يتلق تعليما عاليا وكثير يقولون أنهم صحفيون وإذا سألتهم عن أركان الخبر يعجزون عن الرد.
فيكفى هؤلاء أنهم يأتون بكلمة من هنا وجملة من هناك ومعلومة عابرة وصفحة عليها آلاف المتابعين، وقتها لا مكان للشهادات أو الدراسة، فهم بذلك يحق لهم التحليل والتعقيب والتوجيه وامتهان مهن لم يتعلموا يوما أبجدياتها، لكن بكثرة اللايكات وتحقيق شهرة على مواقع التواصل، لينصبوا أنفسهم محللين ومفسرين ونخبويين وصحفيين ومثقفين وإعلامين.. الخ.
وأخيرا، علينا أن نعلم أن "الفهلوية" دائما ما يستخدمون الحيلة للحصول على أي شيء أو تبرير أي شىء، فالأهم لديهم انتزاع إعجاب الآخرين أو قبولهم حتى لو كان ما يقدمونه أمرا مغشوشا أو مزيفا أو مضللا، وهنا تأتى الخطورة الأكبر لأنه حينما يمارس الفهلوي مهاراته ونشاطاته في الفضاء العام سنجد مجموعات من "الفهلوية" سواء باسم السياسة أو باسم المال أو باستخدام الصحافة والإعلام أو باستخدام منصات التعليم والثقافة، وسنجد كثيرين يتحولون إلى متلونين ومنزوعى القيم والخلاق، وسيقع الكثير ضحية لهؤلاء المرتزقة أصحاب الخدع والخداع.. فاحذروا هؤلاء يرحمنا ويرحمكم الله