في السادسة صباحا - مثل كل أطفال قريتنا – كنت اتحرك من بيتنا إلى المدرسة الابتدائية التي تبعد تقريبا 2 كيلو ونصف، وتقع في قلب " الغيطان" في قرية قهبونة بمركز الحسينية محافظة الشرقية .
لم يكن الاستيقاظ مبكرا مشكلة لنا كأطفال، بل كان العائق الأكبر عدم وجود طريق يربطنا بالمدرسة ، كانت هناك مجموعة طرق بين " الغيطان" وأحيانا من قلب الحقول أو " الجناين" لكى نصل للمدرسة، وهذا بالطبع له ثمن خاصة في فصل الشتاء.
في فصل الشتاء يتحول الطريق إلى ما يشبه المستنقع والطين يكسو ما تبقى منه وعندما نصل لمدرستنا يكون أفضلنا قد سقط في الطين مرة، أو ربما أكثر وهذا الحال يتكرر يوميا .
كان حلمنا ونحن صغارا أن نرى طريق قريتنا مرصوف بالاسفلت، مثل المدن التي كنا نزورها أو نعمل بها في فصيل الصيف ، كان حلمنا أن نرى خطوط مياة نظيفة في البيوت بدلا من نقلها على الحمير يوميا مرة، أو مرتين لنشرب ، كان حلمنا ألا تنقطع الكهرباء وأن يتم عمل كبارى على الترع بدلا من عبورنا فوق المواسير الصغيرة، التي تعرضنا للسقوط في الترع ، كان حلمنا وجود خدمات حقيقة نشعر بها كأطفال أو مركز شباب نلعب فيه أو حتى وحدة صحية قريبة نذهب لها.
كان حلمنا أن يتم إنشاء مدرسة في قريتنا الصغيرة " العواشرة" بدلا من الانتقال 5 كيلو يوميا ذهابا وعدة لمدرسة قهبونة القريبة، أو مدرسة العزازى أو بنى قريش أو عزبة طلبة أو حتى مدرسة عرب شمس، حسب رغبة الأب في أي مدرسة يلحق ابنه الصغير .
أحلامنا ونحن صغارا غالب لا يمكن نسيانها وتظل عالقة بالذاكرة خاصة مع كل زيارة لمواطن الذكريات وأماكن اللهو في الصبا بعد أن مر العمر بنا وبتنا لا نذكر إلا القليل .
الآن ومع أخر زيارة لقريتنا بدأت الأحلام تتحقق بالفعل، بدأت تتحقق الآن، الطرق أصبحت أسفلتية ليست كلها لكن جزء كبير منها والترعة تم تبطينها وعمل كبارى عليها وفى قريتنا الصغيرة تم اإنشاء مدرسة تحمى الأطفال من الانتقال 5 كيلو مترات يوميا .
الآن تغير وجه القرى المجاورة وباتت الخدمات كثيرة ومتنوعة وحتى المدرسة التي قضينا فيها مرحلتى الابتدائية والإعدادية، جارى تطويرهما وإنشاء مدرستين على أحدث مستوى وبتوسعة أفضل وبجوارهما مجمع للخدمات وأعمال تطوير للوحدة الصحية وتبطين للمشروع الرئيسى وخدمات كثيرة متنوعة منها تدعيم شبكات الكهرباء وعشرات المشروعات التي تحول القرية إلى مدينة من حيث الخدمات والامكانيات .
كل ذلك جاء من خلال مبادرة حياة كريمة الى اطلقهات الرئيس عبد الفتاح السيسى وأنا أطلق عليها مبادرة "حياة عظيمة " لأنها حققت أحلام الريف حققت أحلام ، أهلنا في القرى والتوابع والعزب والنجوع، ليس فقط في توفير المياه ، بل في توفير خدمات الصرف الصحى وهى خدمات يفتقدها الريف بشدة .
إن مبادرة حياة عظيمة، وهى من أعظم المشروعات التنموية في العالم من حيث حجم التأثير 60 مليون مواطن مستفيد ومن حيث التمويل 700 مليار جنيه، ومن حيث تحقيق التنمية المستدامة أعادت الحياة الكريمة لأبناء مصر في الريف ومنحتهم املا كبيرا في المستقبل .