يرحل صديق آخر ... نبأ وفاته أصابنا جميعا، أصدقاءه وزملاءه وأحباءه ومتابعيه، بصدمة إنسانية وبوجع انساني كبير. يرحل هاني رسلان في صمت وهدوء دون وداع يليق به وبوطنيته ونبله وانسانيته واخلاصه لقضيته وهمه القومي الأكبر الذ أفنى سنوات عمره من أجل.
كلمات قليلة بالأمس كتبتها الزميلة العزيزة الدكتورة أماني الطويل تنعي فيه الدكتور هاني رسلان عاشق النيل والمتيم به والمدافع الأول عنه منذ أن تفتحت عيناه عليه في قنا مسقط رأسه وداعب موجاته الصغيرة بكفه الأسمر على صفحته الهادئة، ومنذ أن نضج وعيه على شريان الحياة الأساسي لمصر وشعبها وحضارتها ومصدر وجودها فدرس وبحث وسافر وكشف عمن يحاول خنق مصر من ناحية أو غرقها من ناحية آخري. ويظل طوال أكثر من 40 مخلصا لقضية مصر الأولى رغم تغاضى من حكموا في تلك الفترة عنها وأطلق صيحات التحذير عبر أبحاثه وكتبه لحماية النيل ومياه مصر من مؤامرات وتدابير تحاك من أجل اخضاعها واستسلامها.
كلمات قاسية صادمة أصابت من يعرفه بالذهول.... هل بات الموت خبر اعتيادي مثل جريدة الصباح وقهوة الصباح علينا أن نألفه ونعتاده حتى في أقرب الناس والأحباء والأعزاء الذين يرحلون بلا بدائل.. فتجف الأرض ولا يبقى من نباتها سوى الأشواك ولا يبقى لنا سوى فيضان الدمع على رحيل الرجال النبلاء.
لا أعرف متى التقيت هاني رسلان لكني أظن أن ابن جيلنا الذي أصبح أستاذ لنا نلجأ اليه ننهل من علمه ومعرفته عما يجرى للنيل مع كل أزمة منذ ثمانينات القرن الماضي. لا يرد بتواضعه وعلمه سؤال لأحد، فقد أخلص للبحث والدراسة والكتابة ونأى بنفسه عن اية صراعات دنيوية تضيع الوقت وترهق الذهن والروح ومع ذلك بلغ بعلمه ودأبه واخلاصه ووطنيته الى أعلى المناصب التحريرية منذ أن تخرج من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة والتحق بمؤسسة الأهرام وتدرج في المناصب بأهم مركز للدراسات في الوطن العربي فقد تولى منصب مدير مركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية ورئيس تحرير مجلة "رؤي مصرية" ورئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي و مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمؤسس والرئيس السابق لوحدة دراسات السودان وحوض النيل.
كنا عند حديثنا عن النيل لا بد أن يكون هاني رسلان مرادفا انسانيا حاضرا بقوة كمعبر الى أفريقيا وحضارتها. كان في ذاته مكتبة زاخرة بالأبحاث والدراسات عن النيل ودول حوض النيل ومشاكله، عالما يشار اليه بالبنان عما يدور عند المنابع والحواف. في أوقات كثيرة عندما أحاول الكتابة عما يدور في أثيوبيا وفي سد النهضة اتصل به وألجأ اليه للاستفادة من معلوماته وخبرته وعلمه والاستزادة منها. فتأتي تحليلاته صائبة وصحيحة يصح أن نطلق عليه" ابن النيل" و"عاشق النيل" الوطني المخلص حتى النخاع، فلم يكن طامعا في سلطة ولا منصب يعشق هذا الوطن بكل ما فيه ويذوب حبا واخلاصا له، فقد اعتبر نفسه حارسا للنيل ولوعي المصريين بشريان حياتهم التاريخي واعتبروه عدوهم الأول الكاشف لمؤامراتهم ومخططاتهم لتجويع وتعطيش مصر.
وكما يقال ففي حياة الانسان يخلق فيها من يمنحك ويعطيك من علمه دون مقابل كشجرة مثمرة تلقى ثمرها لمن يريد فقدنا عالما مخلصا وطنيا وانسانا نبيلا وفيا لوطنه التي كثيرا ما رهن حياته ووقته ليكون أحد جسورها مع افريقيا... فقدنا من كان يدافع بعلمه عن النيل وحقوق مصر... المدافع القوي الصلد عن النيل في كافة المنابر الاعلامية المصرية والعربية والأفريقية والدولية ليس لنا الأن سوى مناشدة الدولة المصرية بكافة مؤسساتها – وهذه رغبة جماعية- بتكريم الدكتور هاني رسلان الذي ظل حتى أخر لحظات حياته وفي مرضه يدافع عن حق مصر في مياه النيل والعديد من قضايا الوطن متسلحا بحس وطني كبير وخبرة طويلة ومعرفة علمية عميقة.
تكريم هاني رسلان أقل واجب ورد المعروف تجاه هذه الشخصية الوطنية الكبيرة