يطالب الكثير من الاقتصاديين، منذ سنوات طويلة، الحكومة بالعمل على تحويل مصر، ممثلة في أذرعها المالية، خصوصا البورصة المصرية إلى مركز مالى إقليمى، بحيث تكون البورصة وعاء لاستثمار أموال المنطقة، وتجذب الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة إلى السوق المصرى.
ومنذ تولى الرئيس السيسى المسئولية، بدأت الحكومة تنفيذ خطوة من أهم الخطوات للوصول لهذا الهدف، من خلال تدشين حى المال والأعمال فى العاصمة الإدارية الجديدة، ليكون مركزا ماليا ضخما فى العاصمة الجديدة، يوفر البنية التكنولوجية والإدارية والمنشآت وجميع مكونات البنية التحتية لتكون نواة جيدة للمركز المالى الإقليمى المصرى، يستطيع جذب الشركات العالمية واستثماراتها إلى السوق المصرى بما يتمتع به هذه المركز من مميزات غير مسبوقة ليس فى مصر فقط ولكن فى المنطقة كلها.
ورغم إنشاء حى مالى ضخم مزود بالتكنولوجيا اللازمة والمنشآت الضرورية في العاصمة الإدارية إلا أنه يحتاج تنفيذ عدد من الإجراءات أو الخطوات التى تساعد السوق على الوصول إلى هذا هدف التحول لمركز مالى إقليمى، الذى تحتاجه مصر بقوة ليخلق زخم للاقتصاد المصرى الناشئ الذى يسعى لأن يكون ضمن أكبر 20 اقتصاد فى العالم بحلول عام 2030.
الخطوة الأولى، أن تتبنى الحكومة فكرة تحويل مصر لمركز مالى إقليمى وتعمل على انجاحا كهدف قومى وليس مجرد أمنية أو إجراء لتحسين صورة السوق، من خلال صياغة منظومة متطورة لسوق المال المصرى تؤهله لكى يضطلع بدوره كمركز مالى إقليمى، وذلك لإنشاء وتطوير وتعزيز مركز مصر المالى ليصبح الخيار المثالى كمحطّة إقليمية رائدة للشركات والمؤسسات المالية العالمية.
الخطوة الثانية، هي البدء فورا في عملية إصلاح منظومة سوق المال المصرى من خلال توسيع قاعدة المتعاملين والتعاملات بالبورصة المصرية وتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل وتدعيم أسس الإفصاح والشفافية بسوق المال المصرى استنادا على معايير الحوكمة، إلى جانب إعادة هيكلة القوانين واللوائح المستخدمة، وضمان الحفاظ على حريات الاستثمار بسوق المال المصرى.
كما يجب فرض معايير وقواعد تلزم إدارتي البورصة المصرية والهيئة العامة للرقابة المالية للعمل معا في تناغم وليس في تنافس، خصوصا مع وجود عدد من الإجراءات والإصلاحات فى قانون سوق المال، في التعديلات الأخيرة فى قانون سوق المال التى وافق عليها البرلمان بشكل نهائى، وستكون لبنة مهمة فى عملية إصلاح سوق المال المصرى، وتحويله من سوق ناشئ إلى سوق متقدم فى أسرع وقت.
الخطوة الثالثة، هى ضرورة تحرير مؤسسات سوق المال المصرى من خلال تدعيم استقلالية الهيئة العامة للرقابة المالية وتحويل البورصة إلى شركة مساهمة تكون الدولة هى المساهم الأكبر فيها إلى جانب تبنى صياغة قانون لمنع تضارب المصالح فى سوق المال المصرى ومنظماته، ووضع ضوابط مشددة لحماية مصالح صغار المستثمرين وحقوق الأقلية بسوق المال المصرى بما يضمن عدالة الاستثمار.
الخطوة الرابعة، العمل على تنشيط سوق المال المصرى، وزيادة عدد الشركات المدرجة به، من خلال حملات توعية إعلامية واسعة النطاق، لا تقتصر على السوق المحلى فقط، وإن كان هو الأساس، بل تخرج للعالم لتوضيح مميزات السوق المصرى، وعوائده العالية للمستثمرين الأجانب، وإبراز الشركات المصرية الكبيرة التى تجذب المستثمرين الأجانب للسوق.
الخطوة الخامسة، الإعلان صراحة عن أن سوق المال لن يتعرض لفرض ضرائب أو منع أو إعاقة تحويل الأموال المستثمرة فيه للخارج فى أى وقت، أو على الأقل تحديد مدة واضحة لذلك تكون مثلا 10 سنوات متتابعة، بحيث لا يفاجأ المستثمرون بفرض ضرائب أو رسوم على تعاملات البورصة، بدون مقدمات، كما كان يحدث فى السابق، وهو ما كان يخلق حالة من عدم الثقة بين المستثمرين الأجانب فى السوق المصرى، ودائما ما يكون نتيجة هذه القرارات المفاجئة هو خروج الاستثمارات الأجنبية من السوق أيضا بصورة مفاجئة وضخمة، يتعرض معها السوق لحالات من الانهيار المفاجئ والخسائر الفادحة، ثم تعود الحكومة مرة أخرى بالتراجع عن القرارات بعد أن يكون صغار المستثمرين قد خسروا معظم أموالهم وهرب المستثمرون الأجانب خوفا على أموالهم وساءت سمعة السوق المصري فى الخارج.
الخطوة السادسة، أن يكون هناك هيئة كبرى تضم كل مؤسسات سوق المال تحت مظلتها، وتشرف عليها جميعا (البورصة، الرقابة المالية، مصر للمقاصة، البنوك، ووزارة المالية ووزارة الاستثمار) أو على الأقل يكون هناك نظام للتنسيق بين هذه الجهات، بحيث تكون القرارات التى تصدر عن أى جهة قد صدرت بالتنسيق مع الجهات الأخرى وبعلمها حتى لا تؤثر قرارات جهة على أعمال جهة أخرى.
في النهاية، أزعم أنه إذا تم تنفيذ هذه الخطوات فإنه يمكن أن تتحول مصر، سوقها المالى، إلى مركز مالى إقليمى يقود الاقتصاد المصرى الناشئ إلى الوصول إلى طموحاته وتلبية طموحات الشعب المصرى.