انتشرت هذه العبارة بصورة ملفتة عبر وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، على خلفية الحرب الكلامية الدائرة خلال الأيام القليلة الماضية، وبقدر ما يرى البعض هذه العبارة شائعة ومتداولة ويرددها الناس، بقدر ما تحط من قيمة المرأة، التي بحق نصف المجتمع ولها ما للرجل وزيادة، فالعبارة تقلل من الدور العظيم الذي تقدمه الأم في التربية والرعاية، والمكانة الكبيرة التي تتركها في شخصية أبنائها وبناتها.
لا أرى عيباً أن نصف الشخص بأنه "ابن أمه" فكلنا أبناء أمهاتنا، ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور الذي تقدمه الأم في الرعاية والدعم لكل أفراد الأسرة، وغالباً ما تترك في نفوس أبنائها أكثر ما يترك الأب، وأكثر اندماجاً وتفاعلاً معهم، تجالسهم فترة أطول، تسهر على راحتهم، أكثر تضحية من الأب، حتى وإن كانت تضحيات الأب محسوسة وظاهرة، إلا أن الأم تبقى هرم العطاء الذي لا ينقطع، وشجرة القيم والسلوكيات، التي نتنفس منها أكسجين الحب.
مع كل التضحيات التي تقدمها الأمهات، إلا أن مدلول عبارة "ابن أمه" لا تشير إلا للضعف، ولا تعبر إلا عن رجل بلا شخصية، غير قادر على إدارة أمور حياته، ولا يقوى على المواجهة، في حين أن الأم لا تغرس في أبنائها إلا كل قوى، وأشد في التربية من الرجل، وأكثر صرامة على فرض النظام في المنزل، فلماذا تتحمل المرأة أخطاء الرجل، وتحاسب دائما على كل فواتير الضعف والخنوع التى يتسبب فيها؟!
كل ما نبنيه ونقدمه حول مكانة المرأة ودعمها ودورها في المجتمع يضيع في مواجهة عبارات طائشة، وكلمات لم نلق لها بالاً، وأغاني هابطة لمطرب مؤدى مهرجانات، أو خناقة مبتذلة بين فنانة وطليقها، في حين أن كل أجهزة الدولة، وكل منظمات المجتمع المدني تدفع المرأة للأمام، وتحاول تغيير الصورة الذهنية لها، التي ترسخت منذ تاريخ طويلة، كانت فيه المرأة "عورة"، ولا تحصل على حقوقها المشروعة في التعليم والعمل، بل وفى الحياة.
يجب أن تخرج المرأة والأم من المهاترات الشخصية، التي للأسف تخرج من فئة مفترض أنها واعية ومثقفة وتؤثر في الجماهير، وهذا أيضا مثار جدل وتساؤل، فبعض النساء يقدمن توصيفات تشوه الصورة الذهنية للمرأة، وتقلل من دورها في المجتمع على نحو يجافى الحقيقة، لذلك كما أن حملات طرق الأبواب والتوعية بدور المرأة ومكانتها تطوف القرى والنجوع في صعيد مصر وريفها، يجب أن يكون لها دور مع من يوصفون دائما بأنهم "كريمة المجتمع"، ومن يفترض أنهم يؤثرون في الجماهير.
مصدر فخر لكل إنسان أن يكون "ابن أمه"، لكن المدلول السخيف، الذي ترسخ في أذهان الناس، عن هذه العبارة ينال من قدر الأم، التي هي رمز المحبة والعطاء والسلام في حياة كل منا، وأتمنى أن يتغير مدلول هذه العبارة، ويتحول إلى مصدر فخر، دون أن يكون إشارة للسخرية والتهكم ودليل على فساد التربية.