حين أنشأ وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني " صندوق التنمية الثقافية " في العام 1989 ..ثار لغط واسع حول جدوى الصندوق. .بلغ بعض الكتاب في نقدهم لإنشاء الصندوق أن اتهم فاروق حسني بأنه يريد هدم بنية وزارة الثقافة التقليدية وخلخلة اجهزتها .. وظل الجدل حول (الصندوق) يتصاعد مع تولي الكاتب والمثقف سمير غريب رئاسته مع حالة الوهج التي صنعها ذاك الرجل في الصندوق .. وماقدمه من خطوات متلاحقة لدعم الثقافة المصرية. . إلى أن اعتاد المثقفون "حالة الصندوق " ومع الأيام باتوا يعتبرونه العصب الحي في أجهزة وزارة الثقافة كلها.
على أية حال .. فإن فكرة صندوق التنمية الثقافية في ذاتها واحدة من الأفكار الناجحة في سجل العمل الثقافي المصري ..وهي مستمرة في النجاح إلى اليوم ..وعلى العكس مما وجهناه في حلقات هذه السلسلة التي بلغت سبع حلقات إلى اليوم ، فإننا نرى أن صندوق التنمية الثقافية لا يحتاج إلى تفكيك ولا إلى إعادة صياغة بنيوية ولا إلى تغيير حاد في عناصره البشرية قدر ما يحتاج إلى تمويل كبير ومرونة أكبر في الحركة ..تؤهله إلى الاضطلاع بدوره كمحرك مركزي للنشاط الثقافي.
ولمن نسي دور الصندوق أو لمن لا يعرفه نقول أنه صندوق تمويلي يتبع وزارة الثقافة دوره الارتقاء بالعمل الثقافي عبر منحه التمويل والخبرات الإدارية والحركية المطلوبة أي أن دوره ليس صوغ سياسات ثقافية بل تمويل الفعل الثقافي نفسه ..وهي مسألة تحتاج إلى حسن التقدير والمرونة وصواب الرؤية في أن واحد .
الصندوق هو الذي أقام مكتبات عامة ومراكز ثقافية في مختلف القرى والنجوع على مدار 32سنة هي عمره حتى اليوم ..والصندوق هو الذي قام بتحويل المواقع الأثرية بعد ترميمها إلى مراكز إبداع فني مهمة التأثير مثل بيت الهراوي. .وهز الذي أقام ولا يزال مهرجانات عميقة الأثر كالمهرجان القومي للسينما والقومي للمسرح ومهرجان المسرح التجريبية وسمبوزيوم النحت الدولي بأسوان ومهرجان سينما الطفل. ولكن ماعدد المكتبات التي أقامها الصندوق؟ فقط 90 مكتبة.. وماعدد المواقع الأثرية التي حولها إلى مراكز إبداع فني؟16 موقعا فقط..وماحالة المهرجانات التي يرعاها؟ تعاني ضعفا في التمويل .
كان بإمكان الصندوق أن يقدم 900 مكتبة لا 90 مكتبة وان يحول 160 موقعا أثريا وليس 16 موقعا فقط لمراكز إبداع فني..وإن تتوهج مهرجاناته وتنمو في الحجم وفي الكيف أكثر من هذا ..وإن يقدم تمويلا واسعا للسينماءيين والمسرحيين الشباب ..لكن الأمر يتعلق بضيق التمويل وبالبيرقراطية أيضا ..صندوق التنمية الثقافية يحتاج إلى تمويل كبير ومعلن وشفاف لكي يقود الحراك الثقافي الفاعل ويحتاج إلى تقنين عصري لعمله بعيدا عن البيرقراطية لكي نحصل على عصب حي ولديه خبرات متراكمة في العمل الثقافي ولن يحتاج إلى وقت طويل لاحياءه. .إنه تحت أيدينا بالفعل ..فقط نحسن التصرف تجاهه. .في هذه الحالة سيكون الصندوق احد أهم الادوات التي يمكنها أن تكون في طليعة مانحتاجه للعمل الثقافي في الجمهورية الجديدة.