في الأيام الستة الماضية شهدت الحركة الثقافية المصرية الدورة 28 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بحضور دولي مميز وعروض راقية من عدة دول عربية وأجنبية إضافة الى المشاركة المصرية التي لم تقتصر فقط على مسارح القاهرة في البالون أو الطليعة أو الأوبرا والسلام ومسرح الجمهورية والهناجر.
كانت خطوة وقرار شجاع لافت من وزيرة الثقافة الفنانة الدكتورة ايناس عبد الدايم يعكس استراتيجية طالما نادينا بها أن يتسع مهرجان المسرح التجريبي ويمتد الى 9 محافظات تشارك بفرق مسرحية في المهرجان من خلال قصور الثقافة وهو ما نتمنى أن يستمر في دورة العام المقبل ليشمل كافة الفرق المسرحية التابعة لهيئة قصور الثقافة في محافظات مصر كبداية حقيقية للدور المنوط بها وبالغرض من نشأتها
ويكفي أن نذكر أن لدى مصر حوالي 520 قصر ثقافة تابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة وهي إحدى المؤسسات الثقافية ذات الدور البارز في تقديم الخدمات الثقافية والفنية. وهي هيئة مصرية تهدف إلى المشاركة في رفع المستوى الثقافي وتوجيه الوعي القومي للجماهير في مجالات السينما والمسرح والموسيقى والآداب والفنون الشعبية والتشكيلية وفي نشاط الطفل والمرأة والشباب وخدمات المكتبات في المحافظات.
هذه الهيئة أنشئت تحت مسمي الجامعة الشعبية عام 1945م، ثم تغير اسمها في سنة 1965 إلي الثقافة الجماهيرية وكانت أزهى عصورها في تلك الفترة فقد تحولت الى شعلة نشاط في المجالات الفنية المختلفة من المسرح والرسم والتثقيف وحتى السينما. وفي عام 1989 صدر القرار الجمهوري لتتحول إلي هيئة عامة ذات طبيعة خاصة وأصبح اسمها الهيئة العامة لقصور الثقافة ويترأسها حاليا الفنان هشام عطوة الذي يحلم ويخطط مع الوزيرة في النهضة الشاملة للهيئة والبحث عن حلول لمسألة الموازنة الخاصة بالهيئة حتى تؤدي دورها الوطني.
الأقاليم تحتاج الى نهضة ثقافية شاملة وقصور الهيئة يمكن أن تصبح مقار للمسرح وللسينما أيضا الى جانب الدورات والندوات الفنية والدينية والفكرية والرياضية وتصبح رأس الرمح في محاربة التطرف الفكري والديني علاوة على جذب المواهب التي تشكل رفدا رئيسيا للمسرح والسينما والشعر والرسم في مصر.
المسرح التجريبي أو التجريب المسرحي فرصة في دوراته المقبلة لإعادة احياء الفرق المسرحية في أقاليم مصر واحداث النهضة المسرحية الشاملة في محافظات الجمهورية بشرط دعم تلك الفرق وتخصيص جوائز خاصة للعروض الفائزة بها على هامش جوائز المهرجان التي بلغت في الدورة الحالية مليون جنيه.
المسرح التجريبي أثبت نجاحه بعد صموده على مدار ال28 عاما منذ اطلاقه في عام 88 برعاية وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وبرئاسة الدكتور الراحل فوزي فهمي رئيس أكاديمية الفنون الأسبق وتخصص في إعطاء الفرصة لتقديم العروض المسرحية التجريبية من كل دول العالم، والتي يتم اختيارها بواسطة لجنة تحكيم دولية.
أذكر ان هذا المهرجان تعرض لهجوما عنيفا في دوراته الأولى وبعض النقاد تفرغوا لمحاولة عرقلته وأطلقوا عليه مسميات كثيرة وقتها منها " مهرجان التخريب للمسرح المصري" و" مهرجان المواسير والقباقيب" بسبب غرابة الفكرة في ذلك الوقت رغم انتشارها في دول العالم، حتى أثبت المهرجان كفاءته ومدى احتياج الجيل المسرحي الجديد اليه لتقديم وتجريب أفكارهم ومدارسهم المسرحية الجديدة ونجح المهرجان بالفعل مع إصرار الوزير فاروق حسني على استمراراه وعدم توقفه والانصياع الى أصوات الهجوم والإحباط.
تحية للوزيرة الفنانة الدكتورة ايناس عبد الدايم على اخراج المهرجان الى المسارح الجماهيرية في البالون والطليعة والهناجر والسلام ومسارح المحافظات ومحاولة تقريب المسرح التجريبي واصباغ الجماهيرية عليه والارتقاء بالذائقة المسرحية للجمهور العادي. وتحية أيضا لتسمية الدورة الحالية باسم رائد ومفكر وكاتب ومؤلف مسرحي كبير هو الدكتور فوزي فهمي الذي رحل عن عالمنا في أكتوبر الماضي وفاءا له وتقدير للدور الذي آثرى به الحركة المسرحية المصرية طوال أكثر من صف قرن كفنان وإداري بارع وكاتب ومؤلف.