تحتفل مصر وبورسعيد اليوم، بذكرى مرور 65 عاماً على جلاء آخر جنود الاحتلال من قوات العدوان الثلاثي على مصر، خلال المعركة العالمية التي عرفت سياسياً باسم " حرب السويس".
العدوان جاء كرد فعل على القرار التاريخي للرئيس جمال عبد الناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، لتكون شركه مصرية خالصة مملوكة بالكامل لمصر، دون أن يكون للفرنسيين أو غيرهم شأن في ادارتها.
وللحقيقة فقد تحملت بورسعيد نيابة عن مصر، أعباء هذا العدوان كاملاً، الذي تمثل في ابشع صور لا إنسانيه شهدتها مدينة وشعبها الأعزل في العصر الحديث. وللحقيقة – أيضا- فقد جدد هذا العدوان روح المقاومة لدي البوسعيديين الذين اعتادوا ان يكونوا دوماً في خط المواجهة الأول مع العدو أو المحتل.
بورسعيد الباسلة التي نحتفل بعيدها القومي اليوم هي " أيقونة المقاومة"، هي المدينة التي تمرست في الابتكار والابداع للمقاومة بكل أشكالها منذ بدايات الحركة الوطنية في تاريخ مصر الحديث.
المقاومة المصرية بدأت منذ اليوم الأول لاحتلال مصر عام 1882 وتعددت أشكالها من منطقة الى أخرى ومن مدينة الى غيرها من مدن مصر، لكن الوضع في بورسعيد كان اكثر حسماً لوقوعها في المواجهة مع المحتل ومصالحه المارة عبر المجرى الملاحي لقناة السويس.
وكما نحتفل بالانتصار على قوي العدوان الثلاثي عام ،1956 فاننا نحتفل – أيضاً- فى العام الحالي، بمرور 70 عاماً على معركة القنال وهي المعركة التي عرفت باسم "حرب المائة يوم" والتي انطلقت شرارتها، منذ الغاء المعاهدة مع انجلترا في أكتوبر عام 1951 واستمرت حتى المواجهة المباشرة في معركة الاسماعيلية الباسلة يوم 25 يناير عام 1952.
معركة القنال أو "حرب المائة يوم"، كانت فرصة كبيرة لتجديد دماء بورسعيد المقاومة ورجالها، الذين أبدعوا في النيل من مصالح الانجليز على طول المواجهة، التي ما لبثت ان تحولت الى مواجهة عسكرية في بعض الاحيان.
في هذا التوقيت كانت إدارة عمليات المقاومة مسئولية رجال بقايا التنظيم السري، الذي تأسس عام ١٩١٩ عقب نفي الزعيم سعد زغلول.
هذا التنظيم البورسعيدي، كان جزء من التنظيم الام بالقاهرة، وكان يقوده في بورسعيد المرحوم حامد الالفي الذي كانت له سيطرة على كل عمليات المقاومة وادارتها وتنفيذها وفقا لما هو مخطط.
"حامد الألفي"، واحدا من أهم رموز المقاومة في بورسعيد خلال القرن العشرين ، فعلي يديه تخرجت أجيال من رجال المقاومة قادرة على تنظيم الاضرابات والمظاهرات وتنفيذ العمليات القتالية اذا لزم الامر، وقد أوصى أن يدفن عند وفاته بين شهداء المقاومة، وهو ما حدث بالفعل.
كان لي شرف التسجيل عدد كبير من الشهادات مع قادة المقاومة البورسعيدية عام 1956، ومنهم عمنا الراحل السيد عسران وهو صاحب العملية الشهيرة التي عرفت باسم "الرغيف الملغوم" والتي قام خلالها بتنفيذ عملية اغتيال وكيل المخابرات البريطانية في بورسعيد البريجادير ويليامز.
في شهادته التاريخية معي تحدث البطل السيد عسران عن ابداعات المقاومة، التي يتميز بها كل أفراد المقامة، والتي تتجدد من تلقاء نفسها في ابداعات جديدة تذهل الجميع في كل عصر.
قال لي إن ما يفعله العراقيون في مواجهة الامريكان ( وقت تسجيل الشهادة عام 2004) من ابداعات في المقاومة، لا تقل عن ما كنا نفعله في مواجهه الانجليز ببورسعيد عام 1956 ، سواء كانت عمليات التفجير او الاستهداف او اختطاف قادة وضباط الجيش المحتل، فالمقاومة هي حق مشروع للشعوب المحتلة.
لم تتوقف بورسعيد عند مقاومة المحتل الغاشم القادم من الخارج، ولكنها ضربت مثلاً كبيراً في مقاومة المحتل القادم من الداخل، عندما واجهت الاخوان صراحة خلال العام الاسود الذي حكمت فيه الجماعة الأثمة مصر. فبورسعيد هي التي دقت المسمار الاخير في نعش الاخوان، عندما اعلنت الاحتجاج رسمياً والعصيان المدني و اغلق التجار محالهم التجارية، وتوقفت انشطة الحياة كاملة في بورسعيد اعتراضاً علي حكم الاخوان.
كانت بورسعيد هي المحافظة الأولى، التي خرجت بكاملها الى ساحة الشهداء قبل يومين من انطلاق ثوره 30 يونيو المجيدة لتعلن للعالم انها تقاوم هذا المحتل، وظل أهلها بالشوارع حتى يوم 3 يوليو.
ستظل بورسعيد الباسلة "أيقونة" للمقاومة.. وسيظل أهلها يبتكرون في أساليب المقاومة المشروعة.