مع الاعتذار لرواية الأديب الراحل يوسف السباعى، والتى أصبحت فيلما شهيرا عام 70 بطولة شادية ومحمود ياسين وصلاح قابيل "نحن لا نزرع الشوك".. أقتبس منه العنوان والاسم لقضية خطيرة جدا تتعلق بالوجبة الأساسية والتاريخية للمصريين، وهى وجبة الفول المدمس، فبعد سنوات الاكتفاء الذاتى من المحصول حتى التسعينات تقلصت المساحة المخصصة لزراعته، وأصبحنا للأسف "لا نزرع الفول" لسد احتياجات ومتطلبات المصريين من الوجبة الرئيسية طوال الوقت.
الفول كما ورد فى الأدبيات هو بروتين الفقراء الذى لم يفارق مائدة المصريين منذ آلاف السنين، ويتناولونه طوال الوقت في الصباح والمساء وفي الظهيرة أيضا ومع حلول شهر رمضان، يزداد الإقبال والطلب ليكون الفول ضيفا أساسيا ودائماً على مائدة السحور في لياليه بعد أن ابتدعها الفاطميون أثناء حكم مصر(969-1171م)، وما زالت هذه العادة مستمرة حتى الآن.
تقلص مساحة الأرض الزراعية والبناء فوقها يهدد المصريين حتى في أقرب الوجبات وأعزها وأرخصها أيضا، لكن الخوف أن يستيقظ المصريون في يوم ومع استمرار الاعتداء على الأرض الزراعية فيجدوا الصباح المصري التاريخي بلا طبق الفول...!
هل يحدث ذلك- لا قدر الله- ...؟
وزير المالية الدكتور محمد معيط قال في تصريحات تليفزيونية بالأمس غاية في الصراحة ولكنها صادمة بأن مصر أصبحت تستورد الفول بالعملة الصعبة، مما أضعف العملة المحلية.. مصر تستورد 90% من احتياجاتها من الفول، وأصبح الوضع صعبا على المواطن، فبعد أن كان يتم استيراد 10 ملايين طن بتكلفة 2.3 مليار دولار، وصلت حاليا إلى أكثر من 4 مليارات دولار، وهذا يضغط على العملة ويؤثر سلبا على مستوى معيشة المواطن.
أراضي زراعية كثيرة تم البناء عليها بعد أن كانت مصدرا للخير وتستفيد منها مختلف القرى، وهذا كان منتشرا في ريف مصر، ولكن تحويل الأراضي الزراعية للبناء قلل حجم الأرض المزروعة في ظل زيادة عدد السكان وتزايد احتياجات الناس، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتأثر المواطن خاصة محدودي الدخل، وأصبح هناك حاجة للاستيراد لسد الفجوة في المنتجات.
الرقعة الزراعية في مصر تراجعت خلال الخمسة عشر عاما الماضية بنسبة 70ما ادى إلى تراجع معدل الاكتفاء الذاتي من محصول الفول من 99% إلى 30% مع الأخذ فى الاعتبار بزيادة معدل الاستهلاك سنويا نظراً للزيادة السكانية.
مصر كانت تصدر قبل سنوات قليلة حوالي 15 ألف طن فول سنويا ومع تناقص الكمية وزيادة الاستهلاك وتراجع الرقعة المزروعة أصدرت الحكومة قرارا بحظر تصدير الفول لتدبير حاجات البلاد من السلعة الزراعية الأكثر استهلاكاً في مصر.
فالأرقام تشير الى أن حجم استهلاك المصريين من الفول يصل إلى نحو 500 ألف طن سنويا، أي حوالي 40 ألف طن شهريا وهذه الكمية ترتفع في شهر رمضان، وحجم الإنتاج لا يزيد على 100 ألف طن سنوياً، وسعر كيلوجرام فول يبلغ سعره في القاهرة ما بين 7 و10 جنيهات.
خطر الاندثار يهدد وجبتنا الرئيسية والتاريخية وواحدة من مصادر الجذب السياحي أيضا رغم تصريحات وزارة الزراعة بأنها تعمل على التوسع في زراعة محصول الفول حتى يمكن الوصول بالمساحة المنزرعة إلى 350 ألف فدان مما يحقق إنتاجا كليا قدره 480 ألف طنا، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الفول البلدي.