مائة عام مرت على ميلاد الدكتور مصطفى محمود، الذى قاده الشغف إلى أشياء كثيرة في حياته، إلى حب العلم وإلى تأمل الإنسان إلى الفن والكتابة وفى النهاية قاده إلى الخير.
لقد شغل مصطفى محمود الناس بما أثاره من أفكار وقضايا على طول حياته الفكرية، وتحول إلى حالة ثقافية شابها كثير من الجدل، لكن الجميع الموافقين والمختلفين معه أقروا بأهمية مصطفى محمود، ودوره فى صنع جيل من المشاهدين من خلال برنامجه "العلم والإيمان" وجيل من القراء من خلال كتبه المتعددة والمتنوعة التى امتازت بلغتها السهلة وأسلوبها البسيط الذى يقرب الأفكار الفلسفية ويصل بقارئه لشاطئ من الراحة النفسية.
ومصطفى محمود المولود فى 27 ديسمبر 1921 والمتوفى فى 31 أكتوبر 2009، ينتمى إلى سلسلة من الموسوعيين الذين لهم علاقة بالأدب والعلوم وعلوم الدين، ولهم إنتاج فى هذه الفروع، كما أن دوره الاجتماعى الخدمى الذى قام به، أضفى عليه صورة إيجابية ووضع دورا للمثقف بدلا من الاكتفاء بالتنظير.
في كتابه "لغز الموت" الصادر عن دار المعارف، يتحدث عن الإنسان، والله، والموت، والحياة، وهو فى مجمله يدور حول فكرة "التناقض" وأن الإنسان نموذج هذا التناقض بجسده المحدود وروحه الحرة المنطلقة التى لا تحدها حدود ولا زمن ولا حتى أفكار.
من ناحية أخرى، فإن مصطفى محمود أكبر دليل على أن الإنسان هو نتاج الأفكار المتناقضة، فهو دائما طوال مسيرته وأفكاره وضعته فى إطار يحيط به الإيمان والشك واليقين والصوفية وإعمال العقل، حتى أن المتتبع لحياته يجدها ممتلئة بالتناقضات، على المستوى الشخصى وعلى مستوى المعارك التى خاضها وأزماته المتعددة، ومنها: أزمة كتاب "الله والإنسان" والذى قُدم بسببه للمحاكمة واتهمه الأزهريون بالخروج من دائرة الدين، وقامت المحكمة فى العهد الناصرى بمصادرة الكتاب، لكن الأزمة الشهيرة التى كادت تعصف به، تعلقت برأيه فى كتاب "الشفاعة" حينها كان رأيه صادما لكثير من المعولين على شفاعة النبى محمد صلى الله عليه وسلم، الغريب فى الأمر أن ما قاله مصطفى محمود يقبله العقل ويحتمل بشدة أن يكون وجهة نظر، لكن رد الفعل ضده هو الذى كان مبالغا فيه.