حب الوطن عبادة لا يعلم قيمتها إلا من كان له قلب لم يلوث بسموم التطرف والغلو، ولا يجيد التشدق بالعبارات والشعارات الرنانة، هذا ما كشفته مكالمة هاتفية استمرت دقائق معدودة مع شخص لا تربطنى به إلا صداقة خلال العالم الافتراضى، فلم نتقابل يوما ولم نكن زملاء أو جيران أو معارف، كل ما فى الأمر أننا بلديات من محافظة واحدة لا أكثر، لكنه على حد اعترافه متابع جيد لما أنشره على السوشيال ميديا، ورغم هذه المتابعة الممتدة لسنوات لم يحدث اتصال بيننا إلا هذه المرة عندما نشرت صورة لآخر أعمال تنفيذ محور وكوبرى الفشن ببنى سويف، حيث وجدت رقما غير مسجل يتصل على هاتفى، فقمت بالرد بعد معاودته الاتصال مرة تلو الأخرى، فإذا بصوت هادئ يتساءل بلا سلام ولا تعارف، "استحلفك بالله يا أستاذ الصورة اللى حضرتك نشرتها دى حقيقية، فعلا شغالين في كوبرى الفشن؟ ليكون ردى "من غير حلفان أيوة يا أستاذ دى صورة حقيقية، وده مش كوبرى بس، ده محور طوله 27 كم، وعرضه 22 مترا تقريبا، ليقاطعنى "معقول الحلم بيتحقق فعلا، والله يا أستاذ المشروع ده هينقل الفشن في حتة تانية خالص" لأقاطعه مرة ثانية هو حضرتك مين معلهش؟ فنتعارف ونتبادل حديثا ودودا انتهى بعبارات شكر وامتنان وتبسم.
فما أجمل أن يكون هناك حب وولاء للوطن، فحب الوطن يا سادة فطرة إنسانية أودعها الله في كل نفس سوية لم يمسها سوء من أفاعيل أهل الضلال، لذلك أعتقد أن هذه هى الجينات المصرية الموروثة التي تفرح دائما لوطنها ودائما ما تتحدى الصعاب لتقف شامخة عبر الأزمان، ودائما ما تبحث عن أمل جديد دون يأس أو تشكيك، وهذا ما يكشف سر تحمل المصريين ورغبتهم الدائمة في غدٍ مشرق، مهما كانت الظروف والأحداث.
تلك الفرحة التى لمستها وشعرت بها خلال هذا الاتصال وهذه المكالمة ما هى إلا تأكيد وتأصيل لهذه الجينات المصرية التي تعشق الرضا والتفاؤل، لذا حمى الله مصر عبر الأزمان، وجعلها مهد الحضارات، فدعونا نفرح بما يتحقق الآن على أرض جمهوريتنا الجديدة التى تشهد عمليات تطوير نوعية وصلت لكل بقعة في المحروسة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا لنتشارك جميعا في تغيير وجه الحياة على أرض الكنانة ونواصل عظمة أجدادنا..