قبل كتابة هذه السطور توجهت بالسؤال لأكثر من شخص في أكثر من دولة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية : هل تتعطل الدراسة والمدارس في حالة ما يسود البلاد طقس ممطر بكثافة أو حتى سقوط جليد ، فتتعطل المدارس ليوم أو يومين حسب حالة الجو ؟
الطريف أن الإجابات كلها كانت بالنفي ! بل إن إحدى السيدات تعجبت من سؤالي ، وردت بسؤال آخر وهي مندهشة ! ما علاقة سوء الأحوال الجوية بتوقف الدراسة ؟ ولم أتوقف بل سألتها ما هي الحالات الاستثنائية التي تتوقف فيها المدارس ؟ فإجابت : لا تتوقف إلا إذا كانت هناك زيادة في أعداد الإصابات بكرونا !
كنت أريد أن أقول للسيدة نحن أكثر تقدما من دولكم ، وأولادنا أثمن وأهم من أولادكم ، ففي مصر ما أن تسقط بضعة أمتار من الأمطار ، يسارع بعض السادة المحافظون بإصدار قرارات بتوقف الدارسة ليوم أو يومين حتى تذهب النوة ! وهذا ما لم نعهده في أي مكان أو زمان ، في مصر فقط التي لا تتجاوز الأيام الممطرة بها شهرا متفرقا في طول فصل الشتاء تتوقف الدراسة والحياة والمصالح الحكومية والشوارع .
على مدى سنوات عمري وكثير ممن حولي لم يسمعوا بهذا الاختراع الجديد ، ففي طفولتنا وصبانا وشبابنا كانت تمر مثل هذه الإجواء سواء في الريف أو الأقاليم أو الحضر ، وكانت الحرية متروكة للطلبة وذويهم وحتى المدرسين لتقدير الموقف كل حسب قدرته ، وكثيرا ما كان يحدث تساهل من قبل إدارات المدارس والمدرسين ، لكن أن يتكرر هذا كلما مرت نوة أو سقطت بعض الأمطار أو زادت سرعة الرياح ، فيسارع السادة المحافظون بتعطيل الدراسة فهو أمر شديد الغرابة لا تفسير له !
بل هو يسيء لمتخذي مثل هذا القرار ، فهو يعني أن الشوارع في محافظاتهم غير جاهزة والبلاعات غير مستعدة ، وأن الحال عندهم أسوأ مما كان عليه طوال عقود طويلة مضت لم نسمع فيها عما يحدث الآن !
ثم ما هي بالضبط القيمة التي يريدون نقلها لأطفالنا وشبابنا ؟ أن نعودهم انه عند سقوط المطر إلزموا فراشكم وناموا وأوقفوا الحياة فهناك أمطار ؟ حتى لو تساقط جليد ، ومن الوارد أن يتساقط لسنوات مقبلة ، خاصة أن تغيرات مناخية واضحة تجتاح مصر والعالم ، هل الأوفق أن نعود أبناءنا كيف يتعاملون ويتصرفون في كل الإجواء ، أم نؤثر السلامة وندعوهم للبقاء في منازلهم ؟
الحقيقة أنني لا أصدق ما يحدث حولي ، المدارس في أوروبا تصطحب الأطفال ليسيروا أثناء تساقط الجليد والمطر ليعتادوا هذا في حياتهم ، ونحن نمنح أجازات لأسباب واهية ثم نشكو من قصر العام الدراسي وكثافة المناهج ! أي تناقض هذا الذي نعيشه ؟ الدول الجادة التي تريد أن تبني مستقبلا واعدا لا تفكر هكذا ولا تتصرف هكذا !