كان يمشى فى الصحراء، ليس حوله أحد، لا ماء ولا طعام ولا أى بشر، وضاعت راحلته، فظل يبحث هنا وهناك فلم يجدها، فذهب إلى شجرة ونام تحتها ينتظر الموت، حيث أيس من عودة الراحلة، وأيس من حياته أيضا، لأن طعامه وشرابه عليها، وبينما هو كذلك وجد راحلته فجأة أمامه، ففرح فرحا لا يمكن أن يتصوره أحد إلا من وقع فى مثل هذه الحال، حيث عاد للحياة بعد الموت، فشكر الله بقوله: "اللهم أنت عبدى وأنا ربك"! أراد أن يثنى على الله، فأخطأ من شدة الفرح.
هذه رواية تحدث عنها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم فى حديث أنس بن مالك - رضى الله عنه – حيث قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "للَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِى أَرْضِ فَلاَةٍ". وفى رواية: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا، وقَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا رَبُّكَ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَح".
فالله يفرح بعودتك إليه مهما كانت ذنوبك تائبا، راجعا من معصيته إلى طاعته، وأمرنا الله بالتوبة، فقال سبحانه: "وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، فمهما ارتكب ابن آدم من كبائر وخطايا وأردا العودة والرجوع والتوبة إلى الله، وجد الله توابا غفورا عفوا كريما.
الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يتوب إلى الله -تعالى- وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فنجده يقول الله صلّى الله عليه وسلّم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ، فإنِّى أَتُوبُ فى اليَومِ إلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ".
وللتوبة شروط، أولها الندم على فعل الذنب، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "النَّدمُ توبةٌ"، وثانى الشروط الإقلاع عن الذنب، فلن تكون تائبًا من ذنب ما زلت ترتكبه، وثالثها العزم على عدم العودة للذنب، وجب عليك أن تحقق شروط التوبة مجتمعة، فإن الإخلال بواحد منها يخل بالتوبة، وهناك شرط رابع للتوبة يتعلق بحقوق العباد، فمن كان له حقّ عندك فبادر بإعطائه حقّه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن كَانَتْ له مَظْلَمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ ألا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ".
الله يحب التوبة، ويحب التوابين، وهذا فضل ستحوزه بمجرد توبتك، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"، واعلم أن التائب سينجح فى الدنيا والآخرة ويبدل الله سيئاته حسنات، ويغفر له ويرحمه ويرزقه البركة.. توب وقابل الخير.