وضعت مصر استراتيجية واضحة ومحددة فى التعاطى مع الدول الشقيقة والصديقة، ورسخت محددات واضحة فى ملف السياسة الخارجية التى ركزت على دعم المؤسسات الوطنية فى الدول التى تشهد نزاعات، وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية لأى دولة، والتأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلالية الدول التى تشهد نزاعات مسلحة.
نجحت الاستراتيجية المصرية فى فك الاشتباك بدول شهدت صراعات ونزاعات مسلحة أدت لضعف المؤسسات الوطنية داخل هذه الدول، فضلا عن التدخلات الخارجية سواء سياسيا أو عسكريا، ما أدى لتعاظم الصراع واحتدامه بين الفرقاء، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو النزاع فى ليبيا الذى تمكنت مصر، عبر رسم الخطوط الحمراء «سرت - الجفرة»، من رسم خارطة الحل السياسى للأزمة الليبية وتثبيت وقف إطلاق النار.
كانت مبادرة «إعلان القاهرة» إحدى أبرز المبادرات التى مهدت لحل الأزمة الليبية سياسيا وتثبيت وقف إطلاق النار، حيث وضعت المبادرة خارطة طريق قابلة للتطبيق والتنفيذ، وذلك لوقف النزاع المسلح بين الفرقاء الليبيين ووضع حل للشواغل الليبية فى هذا الصدد، وهو ما مكن الأمم المتحدة من تنظيم ملتقى الحوار السياسى لانتخاب سلطة تنفيذية جديدة فى الأراضى الليبية.
ولم تكن القاهرة بعيدة عن التطورات الجارية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بعد شن جيش الاحتلال الإسرائيلى حربا على القطاع بذريعة إطلاق الصواريخ، ما أدى لتدمير جزء كبير من البنية التحتية لغزة واستشهاد المئات من المواطنين الأبرياء إلا أن الوساطة المصرية كانت حاضرة وقادرة على وقف العدوان الإسرائيلى، فضلا عن تحركاتها السريعة لتقديم المساعدات الإنسانية والغذائية والطبية إلى الأشقاء فى غزة، واستقبال عدد كبير من الجرحى الذين أصيبوا فى العدوان الإسرائيلى مايو 2021 لعلاجهم داخل المستشفيات المصرية.
أصعب ما تواجهه أى دولة بعد تحريرها من الجماعات الإرهابية هو كيفية التوجه نحو تنمية وبناء ما دمره الإرهابيون فى هذه البلاد، وهو المثال الذى ينطبق على العراق الذى سعت الدولة المصرية لإبرام شراكة استراتيجية معه فى كل المجالات، وهى التحركات التى أفضت لتشكيل آلية التعاون الثلاثى والتى ضمت مصر والعراق والأردن، وهو أحد أبرز التحالفات الاقتصادية بين الدول العربية والذى يخدم مصلحة شعوب البلدان الثلاثة.
لجوء مصر إلى التحالفات العابرة للحدود أحد أبرز التحركات التى نجحت فيها سياسة مصر الخارجية سواء التحالف مع قبرص واليونان وتدشين منتدى غاز شرق المتوسط، أو تحالف «الشام الجديد» مع بغداد وعمان، أو التحركات التى تجرى لإبرام تحالفات وشراكات قوية مع دول المغرب العربى، فضلا عن النجاح الكبير فى تحقيق التوازن فى العلاقات مع الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبى.
تبقى السياسة الخارجية المصرية القائمة على احترام سيادة الدول الجارة والصديقة من أهم الأسلحة التى مكنت القاهرة من لعب دور بارز فى الإقليم، لكن هذا الدور يختلف عن غيره لأنه يتحرك وفق ضوابط محددة وضعتها القيادة السياسية بكل دقة ونفذتها مؤسسات الدولة، ما أعاد القاهرة للعب دورها التاريخى باعتبارها إحدى أبرز دول المنطقة والقادرة على ملء الفراغ الكبير الذى يعانى منه الإقليم بعد الانسحاب الأمريكى وسط الصراعات بين أطراف إقليمية على كعكعة النفوذ والمصالح.