منافسات كرة القدم فى منظور البعض أنها مجرد لعبة، يوجد بها طرف فائز وطرف آخر خاسر، ويستغرب هؤلاء حينما يرون الشغف الكبير فى عيون الجماهير بالمدرجات أو خلف شاشات التلفاز، وتحديدًا فى مباريات طرفها الأهلى والزمالك، بوصفهما الأكثر شعبية فى مصر، وتزداد الأسئلة بداخلهم عندما يشاهدون كم الحزن عند الخسارة والتعصب الكروى وكم المشاحنات أو الخلافات أو غيرها من هذا القبيل، وفى النهاية يطلقون عليهم لقب "المهاوييس"، الذي يعلقون عقولهم بأقدام لاعبين.
قد يكون هؤلاء لديهم حق فى الجزء الخاص بالتعصب الكروي الذي يقودنا إلى عواقب وخيمة فى كثيرًا من المشاهد، لكن فيما يخص كرة القدم فهى ليست مجرد لعبة، بل إنها أكسير الحب، ليس فى مجتمعنا، إنما بكل بلدان العالم، فهى فى بلادنا تنزع آهات الجماهير، وكأنها آلة مسحورة تسحب العقول، فالجمهور المصرى مثلا يعيش معها حالة عشق بلا حدود، ويستمتع بالكرة بكل وجدانه، وكأنه يتقمص شخصية نجمه الكروى فى فيلم أسطورى يمسّ حياتهم ووجودهم فى مجرد صورة ذلك اللاعب أو الفريق البطل الفائز فى مباراة كروية "تُوصف أحيانا بالمصيرية"، وتتحول تلك الطاقة المشحونة إلى إبداع وفن فى حياته بسبب الفرحة والسعادة عند الفوز.
هذه الحالة النرجسية من المشجع سواء عندنا أو فى أى مكان بالعالم تعتبر كرة القدم هى المتنفس الحقيقى لها، ووفقًا للكثير من الإحصائيات والمهتمين بالشأن الكروى فإن الأغلبية هنا تميل للفئات المتوسطة اجتماعيًا أو الفقيرة التي تشجع الكرة للتنفيس عن نفسها فى اللهث خلف فرحة غائبة وسعادة يحلمون بها.
لكن هذا لا يعنى أن الأغنياء أو المثقفون وغيرهم من الفئات الأخرى لا يعشقون كرة القدم، بل إنهم يحبوها ويهتمون بها وينجذبون إليها، ومنهم الكثير من يوقف أعماله لأجلها، وأجل الزحف خلف فريقه الذى يشجعه لمؤازرته فى كل أنحاء العالم.
كل هذه الفئات، شيوخ وأطفال وشباب، ونساء ورجال، وفقراء وأغنياء، ومثقفون وأميون، أهلاوى وزمالكاوى، يُنسجون فى ثوب واحد، حينما يتعلق الأمر بتشجيع منتخب مصر، فنجدهم كلهم فى عشق الكرة سواء تجاهها، وتظهر المتعة الحقيقية مع ظهور النزعة الوطنية لتشجيع بلدنا والوقوف خلف لاعبينا من أجل رفع اسم بلدنا عاليًا فى المحافل الدولية، هنا فعلا تصبح الكرة ليست مجرد لعبة، بل هى تنشر فكرة المواطنة وحب الوطن.
نحن مع كرة القدم نتنفس انتماء، نعشق بلدنا حتى آخر قطرة دماء، نعرف يعنى إيه وطن".. فعندما صاغ لنا عالم الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان "شخصية مصر" خلال موسوعته الشهيرة، كان حريصًا على رصد أهم جوانب الشخصية المصرية، سواء السلبية منها أم الإيجابية، فهو عرف أن الجغرافيا هى السبيل الوحيد أمام الإنسان ليعرف وطنه ويرى جماله ويعشقه ويدرك أسراره ويقف يدًا واحدة عند البحث عن رفعة اسم الوطن عاليًا أو التصدى للأخطار القادمة من العالم الخارجى عن حدودنا.. كما ذكر المؤرخ ابن خلدون أن أهل مصر يميلون إلى الفرح والمرح، وأعتقد هنا أن الرياضة أصبح لها دورًا مهمًا هى الأخرى في بناء الهوية المصرية، لما نراه خلال مباريات منتخبنا الوطنى فى توحيد أبناء الشعب خلف علم بلدنا.
منتخبنا الوطنى يستعد حاليًا لخوض غمار منافسات النسخة 33 من بطولة كأس الأمم الأفريقية التى تقام فى الكاميرون خلال الفترة من 9 يناير حتى 6 فبراير المقبل، وسط ترقب وتشجيع الملايين من المصريين لدعم محمد صلاح نجمنا العالمى-باعتباره قائد الفريق-، ومعه باقى رفاقه داخل صفوف المنتخب فى رحلة المنافسة على اللقب واستعادة الأمجاد داخل القارة السمراء، من خلال الظفر بالنجمة الثامنة، حيث إننا فزنا باللقب فى 7 مرات سابقة آخرها عام 2010 مع كتيبة "المعلم" حسن شحاتة.
هنا أطالب لاعبى منتخبنا الوطنى بأن يضعوا صور المشجعين عشاقهم أمامهم، وما يقال على ساحات مواقع التواصل الاجتماع خلفهم، من أجل تحقيق أحلامنا جميعًا، وكما قال أجدادنا في الحكم الشعبية زمان: "العمل المتسم بالشجاعة متسم بالإنجازات والشهرة".. والكرة الآن في ملعب لاعبينا، فالآمر بات متروكاً للجهد والعرق داخل "حلبة" الساحرة المستديرة فى انتظار لحظة السعادة.
رسالة أخيرة.. المطلوب الآن، هو تكاتف القنوات الفضائية والصحف وتحديدًا ذات الصبغة الرياضية من أجل الوقوف خلف منتخبنا الوطنى من خلال دعم اللاعبين بقوة بحثًا عن حصد اللقب، فمثلما كانت الجماهير على العهد باستدعاء حثها الوطنى لبث روح الحماس لدى اللاعبين، يجب أن نرى الخبراء الكرويين ووسائل الإعلام يجسدون فكرة الانتماء الحقيقى لمصر والعمل على مساندة المنتخب حتى نراه على منصة التتويج ويرقص معه الجماهير فى الشوارع مثلما كان يحدث فى بطولاتنا السابق.. #شجع_ بلدك