لا نملك فى هذه الحياة سوى الحركة للأمام، لأننا نعرف أن التوقف موت، وأن السكون عجز، وبالتالى فإن الحركة حياة، لكنها حياة ليست سهلة، لكن ما يخفف بعض الشيء من صعوبتها إيماننا بأننا جزء من كل، وأن كل شيء مخلوق بقدر، لكن ما معنى ذلك؟.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة القمر "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ"، وقد استوقفتنى كلمة "قدر" ورحت أتتبعها فى التفاسير فوجدتها تدور حول ما ذكره الطبرى فى تفسيره "الذى عليه أهل السنة أن الله سبحانه قدر الأشياء، أى علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها، ثم أوجد منها ما سبق فى علمه أنه يوجده على نحو ما سبق فى علمه، فلا يحدث حدث فى العالم العلوى والسفلى إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة، وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى وبقدرته وتوفيقه وإلهامه، سبحانه لا إله إلا هو، ولا خالق غيره، كما نص عليه القرآن والسنة".
ما قاله الطبرى مفيد جدا وهو صواب، لكن فهم المعانى فى القرآن الكريم يتطلب تتبعها فى النص كله، والتعرف على مواضعها المختلفة، ومن مجموع ذلك يتحقق المعنى، وخلاصة مفهوم "القدر" فى النص أنها "أسبقية العلم الإلهى"، فالله سبحانه وتعالى يعلم ما نحن صائرون إليه، لكن ذلك لا يمنعنا نحن من العمل لأننا لا نعلم ما سنصير إليه.
ولأننا لا نعلم فإننا نصنع حياتنا بالعمل الدائم، هذا العمل الذى نبتكره نحن ونرتجله ونعافر من أجله هو قدرنا لكن الله بأسبقية علمه قد ألم به وكتبه.
وبمعنى أبسط، إننا لو عملنا واجتهدنا واستفدنا وخدمنا أنفسنا، فذلك هو القدر، ولو تكاسلنا وعجزنا عن مساعدة أنفسنا، فذلك هو القدر، ونحن نملك نوعا ما حرية صناعة قدرنا.