رغم ما شهدته مصر خلال السنوات الخمسة الماضية من سعار وجنون التطرف والمتطرفين، ورغم انتشار وباء الإرهاب والجماعات الدموية الإرهابية فى المنطقة العربية عموما، إلا أن نسيج المجتمع المصرى يكشف كل يوم أنه أكبر وأعمق من هذه البثور الزائلة.
الأستاذ واصف حبشى موجه التربية الاجتماعية بإدارة بيلا التعليمية فى كفر الشيخ نموذج دال على صلابة النسيج المجتمعى المصرى، فالرجل القبطى قرر بمفرده إقامة مائدة إفطار يومياً طوال شهر رمضان للصائمين فى مركز بيلا كفر الشيخ، واختار المعلم المصرى الأصيل شعار «خدو بالكم من بلدكم»، ليزين به مائدة الرحمن التى يقيمها لأشقائه فى الوطن، وعندما اندهش البعض وسألوه لماذا تفعل ذلك قال بعفوية: «نحن نسيج واحد، والإفطار الجماعى دليل على تلاحم عنصرى الأمة، ونعيش معاً أصدقاء وجيران وإخوة دون تفرقة، ولن يستطيع أحد التفرقة بيننا».
الأستاذ واصف حبشى يعتبر الإفطار الجماعى للمسلمين والأقباط على مائدته الرمضانية دعوة للأجيال الجديدة ليحافظوا على مصر، كما حافظ عليها أجدادهم وآباؤهم، وعاشوا معًا دون تفرقة بين مسلم ومسيحى، وهى رسالة فردية أقوى ألف مرة من كل الرسائل الموجهة التى قد تصدر من بشكل رسمى من وزارة الأوقاف أو من الكنيسة، فهذا الجهد الفردى يعبر عن مشاعر الملايين من الإخوة والجيران وشركاء الوطن، ويلقى تأثيره الكبير والفورى بعودة الروح المصرية مجددا، وطرد كل الدعاوى الزائفة والمستوردة التى شوهت المجتمع خلال العقود الأخيرة.
انظروا إلى الفارق الكبير بين الأستاذ واصف حبشى الذى يسعى إلى رتق نسيج المجتمع، وبين غلاة الجماعات السلفية الذين يصدرون فتاوى مأجورة وشاذة تسعى إلى الفرقة والكراهية وتدمر العلاقات الأخوية بين شركاء الوطن، وهم يظنون أنهم يدافعون عن دين الله، والدين منهم برىء، فكيف يستقيم مثلا أن يخرج علينا واحد ممن يصفون أنفسهم بالشيوخ ليعلن أن تهنئة الأقباط بأعيادهم حرام شرعا، أو يحرم مصادقتهم أو مشاركتهم أو العيش معهم بمودة وتسامح، وكأن الكراهية والفتنة هما الهدفان اللذان يصر السلفيون والمتطرفون عموما على زرعهما فى المجتمع بشتى السبل.
هؤلاء المتطرفون تم استخدامهم لتفجير المجتمع من الداخل ثقافيًا، وأصبحت لهم معاقل فى الإسكندرية، والشرقية، وبنى سويف، وكفرالشيخ، والجيزة، والدقهلية، كما أصبحت لهم شبكة مساجد يتداولون فيها الخطابة، وإقامة حلقات الدرس، أو ما يسمى بالعلم الشرعى، ووصل هؤلاء المتطرفون إلى قمة ظهورهم بعد ثورة يناير، إذ خرجوا جميعًا من الجحور، وأعلنوا عن توجهاتهم، ما بين السلفية الجهادية والسلفية الدعوية، وما بين الجبهة السلفية والدعوة السلفية، أو فى مخابئ ومساجد الجمعيات الشرعية فى المحافظات، وظهرت ولاءاتهم وفتواهم التى تخدم الاستعمار الجديد، وأعداء هذا البلد دون أن تتخذ الحكومة تجاههم ما يلزم من الإجراءات الرادعة التى تجفف منابعهم، وتمنعهم من تفريخ المتطرفين.
كنا نطالب الدولة بأن تواجه الفكر المتطرف فى مناهج الأزهر كما تواجهه فى المساجد الضرار للتكفيريين بنفس القوة التى تواجه بها الإرهابيين، لكن من ناحية أخرى نشد على يدى الأستاذ واصف حبشى باعتباره نموذجا للمقاومة وأحد حماة المجتمع المصرى، وندعو الأفراد أصحاب الوعى من المسلمين والأقباط إلى أن يحذوا حذوه يبادروا بما يدعم النسيج المجتمعى، لأن تأثير هذه المبادرات أكثر كثيرا من أى جهد رسمى فى نفس الاتجاه.
يا أستاذ واصف.. كل سنة وأنت طيب والمصريون دائما بخير وسلام.. وتحيا مصر عزيزة وآمنة وقوية.