ملف الأخطاء الطبية أحد الموضوعات الشائكة، التي حال تناولها أو الحديث عنها يمتعض الأطباء، وتسارع نقابتهم في إصدار بيانات وإدانات وبلاغات، وكأنه بالفعل لا توجد أخطاء طبية، أو أن هذه المهنة بلا مشكلات، في حين أن الواقع يثبت عشرات الحالات للأخطاء الطبية، من بينها ما يتم الإعلان عنه أو يتم تسويته بصورة ودية أو لا يتم اكتشافه بالأساس، نتيجة تدنى ثقافة المريض، أو قبوله بالأعراض ومظاهر الألم باعتبارها جزء من متاعب الجراحة أو العلاج الخاطئ.
عندما أسمع كلمة أخطاء الأطباء أو الخطأ الطبي أتذكر أول قصة إنسانية كتبتها في عالم الصحافة قبل حوالي 16 عاماً، وكان عنوانها "جريمة في بطن عامل"، حينها ترك أحد الأطباء "جفت جراحي" طوله 21 سم، في تجويف بطن المريض، الذي ظل يعاني منه لسنوات طويلة، وكانت قضية مؤثرة جداً حينها، لكن هذا بالطبع لا ينفى أن هناك أطباء عظماء وأن الطب رسالة سامية ومهنة الحكمة، ومن يخففون آلام الناس لا يستحقون من المجتمع إلا كل تقدير واحترام، وحجم الجهد المبذول منهم لا يمكن لعاقل إنكاره أو تجاهله.
السؤال هل هناك أخطاء طبية تحدث بصورة متكررة؟ الإجابة نعم، لكن هذه طبيعة أي مهنة، لكل عمل أخطاء ومشكلات، وهامش مقبول من الأخطاء بين الحين والآخر، ولجنة التحقيقات في نقابة الأطباء تشهد على الأخطاء الجسيمة، التي يقوم بها بعض الأطباء، وتصدر قرارات صارمة، تصل إلى الإحالة للمحاكمة التأديبية، والشطب من جداول القيد وسحب التراخيص الخاصة بمزاولة المهنة، لكن على الجانب الآخر هناك ما يعرف في الطب باسم "المضاعفات" فليس كل ما يصيب المريض بعد العمليات أو الجراحات أو الخضوع لبعض الأدوية ضمن دائرة الإهمال والأخطاء الطبية، لكنه في أغلب الأحيان يكون مضاعفات معروفة ومرصودة بالكتب العلمية عن حالات بعينها، وقد تكون سبباً في الوفاة، ولا يمكن تحميلها للطبيب، باعتباره المسئول.
إذن ما المشكلة؟ هل الأطباء بدون أخطاء أم أن المرضى يُحمِلون دائما مسئولية وفاة المريض على الطبيب أو المستشفى؟ الحقيقة المشكلة تكمن في التعصب وغياب الحياد، وعدم ترك التحقيقات تأخذ مجراها ومسارها الطبيعي، وتبادل الاتهامات والتلفيق بين الأطباء والمريض أو أسرته، فالأطباء يتحدثون دائما بمنطق أنه لا وجود للأخطاء، وينتقدون أي حديث عنها أو مشكلات في القطاع الصحي بشكل عام، وهذا بالطبع منطق غير صائب فالأخطاء موجودة ونعرفها جميعاً، لكنها ليست حالة عامة أو ظاهرة، بل حالات فردية، تظهر غالباً عند علاج المشاهير أو الشخصيات العامة، خاصة أن الضوء يكون مسلط على حالة المريض الصحية، والمتابعات الصحفية والإعلامية تظهر دائما خالية من المعلومات أو البيانات الدقيقة، إما لأن أهل المريض أو المريض نفسه لا يتحدث للإعلام، أو الطبيب المعالج يترفع عن الحديث ويترك المجال للشائعات يمينا ويساراً والمعلومات الخاطئة، التي يتفوه بها البعض بقصد أو بدون، لدرجة أن كل المشاهير الذين ماتوا داخل المستشفيات خلال الفترة الماضية ظهرت أخبار وشائعات تتحدث عن أخطاء طبية تعرضوا لها، وهذا بالطبع لا يمكن إثباته أو التعويل عليه.
الأخطاء الطبية والمضاعفات ما بعد الجراحات والحالات المرضية الصعبة موجودة في كل مكان بالعالم، وداخل أكبر المستشفيات، لذلك ليس في مصلحة أحد إخفائها أو السكوت عنها، حتى نتلاشاها ونقلل منها قدر الإمكان، كذلك أيضا لا يجب أن نعتبرها حالة عامة ونوجه اللوم على الأطباء ونهاجمهم طيلة الوقت، وننكر الدور الكبير الذي يقدمونه في خدمة المجتمع، خاصة في ظل جائحة كورونا، وما نتج عنها من فقد عدد كبير جدا من الأطباء في مستشفيات العزل، لذلك الحلول تكمن في أن نعالج الأمور بهدوء، ونعلن التحقيقات بشفافية مطلقة، دون أن نتحيز لطرف أو جهة أو نقابة أو مهنة، فقط نتحيز للحقيقة ونعلن تفاصيلها كاملة للرأي العام.