تقدم الترجمة لنا على الدوام وسيلة مهمة لمعرفة الآخر، أفكاره ومشاعره، وقد اعتدنا على الترجمة إلى اللغة العربية الفصحى، لكن فى الفترة الأخيرة بدأ فى الانتشار نوع من الترجمات لكتب عالمية خاصة الروايات إلى العامية المصرية، وهى الظاهرة تحتاج من المتخصصين والقراء أيضا إلى إبداء رأيهم في هذه المسألة المهمة.
وقد كتبت من قبل عن ذلك الشأن وقلت "أعتقد أن من يفعل ذلك يبحث عن شيئين، الأول هو الانتشار والاعتقاد بأن جمهور العامية أكثر من جمهور الفصحى، وهو أمر غير حقيقى بالمرة، لأن جمهور العامية مهما كثر فإنه محدود بإطار جغرافى معين، خاصة بعد تراجع تأثير العامية المصرية فى العالم العربى لظروف عدة.
الأمر الثانى أن بعض من يلجأ إلى الترجمة بالعامية يكون له موقف من اللغة العربية، يراها "ثقيلة على الأذن" أو يظنها لا تعبر عن الروح التى يريدها أو يعتقد أن العامية المصرية شىء مختلف عن الفصحى ويفعل ذلك بتأثير "انفصالى"، وذلك خطأ أيضا، لأن معظم كلمات العامية المصرية هى كلمات عربية سقط منها التشكيل، لكنها لا تزال محتفظة بالأصل.
بالطبع، علىَّ أن أوضح، أننى لست ضد الكتابة بالعامية، فالنصوص المكتوبة أصلا بها، مثل الشعر العامى، لها جمالياتها وفنونها وصورها ودلالاتها وغير ذلك، لكننى لا أستسيغ إجبار النصوص على الظهور فى شكل محدد، فترجمة عمل "عالمى" إلى العربية الفصحى حتما سيكون أكثر تأثيرا من "العامية".
كما أننى لا أفكر هنا من منطلق الوحدة والكل فى مقابل التقسيم والتفرقة، بل إن المعنى بعيد عن ذلك، وما أقصده هو "المُناسَبة" أى أن يكون ما نفعله مناسبًا وفى إطار عام لا يفقد مصدره ولا يشوه ما نقوم به، فالكتاب الأجنبى له عالمه الذى يتحدث فيه، ربما أقبله بالعامية المصرية لو كان الكتاب يدور فى مصر وبه حوارات مع أناس فى الشارع المصرى، لكن أن يدور فى شارع الشانزليزيه فى فرنسا أو فى شقق إنجليزية ثم أجعله مصرى الكتابة، حتما سوف أشعر بالقطيعة معه، لكن لو استخدمت الفصحى هنا فإنها تظل محتفظة بدورها المحايد وهو نقل المضمون والروح قدر المستطاع، لكننى بالتأكيد أكون مدركا أن هذا نص مترجم.