الأوطان تبنى والدول تتقدم والأنظمة تنتج والشعوب تتحضر بالتوحد نحو الأهداف السياسية والتوافق على الخطط التنموية، وبالاتحاد ضد العدو الذى يهدد الوطن، والصمود لمواجهة التحديات والمخططات التى تريد النٌيل من سلامة الوطن.
ولا يكون هذا بغير الانتماء الحقيقى للوطن، والانتماء لا يكون بغير التوازن بين الأخذ والعطاء المتبادل بين الوطن وبين المواطن، فالوطن ليس هو الشوارع والآثار والتراث والهوية فحسب، ولكنه هو ذلك إضافة لتفعيل المساواة ووجود العدالة الناجزة والإحساس بالأمن وتحقيق العدالة الاجتماعية التى توفر الحد الأدنى للمواطن لعيش حية أدامية وضمان حرية التعبير وإبداء الرأى والحفاظ على كرامة المواطن وضمان العيش والعمل الشريف للقادرين على العمل وتوفير الرعاية والإعاشة لغير القادرين. تطبيق القانون على الجميع بلا تفرقة، إيجاد فرصة للعمل والترقى الاجتماعى بلا وساطة ولا محسوبية، هنا وبذلك تكون المعادلة صحيحة والتوازن مُحقق.
ولاشك فغياب ذلك التوازن يضعف الانتماء ويغيبه ويتحول إلى متاجرة بالوطن وتسلية وقت بالوطنية وبدلاً من العمل لأجل الصالح العام تعلو الأنانية ويسود حب الذات والسعى للمصالح الخاصة على حساب المصالح العامة. وعندما يتمحور الإنسان حول ذاته ولا يرى غير مصلحته هنا تنبت بذرة التعصب الذاتى والرؤية الواحدة فتثمر ثمار التطرف الذى لا يوجد أخطر منه على الأوطان وعلى الشعوب. هنا نرى أنواع التطرف تتكاثر علينا، فنرى تطرفا على أساس العرق والدين والانتماء الطائفى، وتطرفا سياسيا ودينا وفكريا، ناهيك عن التطرف، الأساسى، الجغرافى الذى يقسم الوطن ويفتته، وتطرف استغلال التنوع الثقافى الرائع، الذى يستغل للتفتيت، فنرى من يتخندق خلف الثقافة الخاصة ما بين قبطية، إسلامية، فرعونية، نوبية، بدوية.. إلخ.
فتلك الظواهر وذلك التفتيت وغياب الانتماء الحقيقى الذى يترجم إلى عمل وإنتاج يعود إلى عدم تحقق الآمال العريضة التى حلم بها الشعب بعد 25/30 متصورا أن هذه الآمال سوف تتحقق بين لحظة وانتباهها، مع العلم أن الواقع يقول إن هناك مشكلة اقتصادية متفاقمة ومتراكمة ومعقدة، هناك تحديات من أعداء الداخل وأعداء الخارج الذين يريدون إسقاط الدولة وإفشالها، هناك حالة رهيبة تسقط القيم ولا تعتد بالأخلاق وتتاجر بالأديان وتستملح الفساد، هناك المناخ السياسى الفاسد والمفسد الذى عاشته مصر طوال الأربعين سنة الماضية، ذلك المناخ وتلك الأنظمة السياسية التى لم ترَ غير مصلحتها ومصحة تابعيها ونخبتها الفاسدة، فانتشر الفساد والرشوة والواسطة وضاع القانون وغاب الأمن وسقطت هيبة الدولة وأصبحت شبه دولة وأصبح باب المشاركة السياسية بابا موصدا أمام المواطن فلا مشاركة سياسية.
كل هذا وغيره جعل كثيرا من الآمال لا تحقق وإصلاحات تُعوق، فنرى ظاهرة التخوين فالكل يخون الكل والكل يدعى الوطنية نظريا وشعاراتيًا، فلا تبنى الأوطان بالتخوين والاقصاء وغياب القيم ومبادئ التسامح والمحبة والتعاون والتراضى والتعايش السلمى وقبول الآخر، وهذا غائب ويغيب نتيجة لخطاب دينى لابد من تجديده ومنظومة تعليم لا تنتج تعليما ولا تربية ولا انتماءً، إلى جانب غياب دور ثقافى وتنويرى وغياب دور إعلامى يوعى ويرشد، وعلى هذا لا غرابة أن نرى رئيس البرلمان يخون أعضاء لمجرد الاختلاف فى الرأى.
لذا علينا بالتربية السليمة والحوار المتفتح والقراءة المتنورة والمناهج المتطورة فلا علاج بالمنع والمصادرة والحجب والتحريم، فالعقل الناقد والمناقشة الحرة التى لا تخاف الرأى الآخر هى البداية الصحيحة لمواجهة التطرف وإسقاط التخوين وإبطال الإقصاء وبناء الدولة التى نريدها، الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة التى هى وطن لكل المصريين.