بدأنا نشعر بالفعل أن هناك دولة تهتم وتعمل وفق استراتيجية واضحة للحفاظ على التراث المصري بكافة تنوعاته وفي عصوره المختلفة، ما يحدث الآن على أرض الواقع لإعادة القاهرة بمكوناتها المعمارية الإسلامية والفاطمية والخديوية والمسيحية واليهودية أيضا إلى بهائها ورونقها وتألقها القديم والزاهر، كان حلما يصعب تحقيقه في الماضي القريب لأسباب كثيرة ومعقدة.
لم يصدق الكثيرون ما يشاهدونه الآن أو منذ سنوات قليلة في وسط القاهرة وفي عدد من المحافظات، وما يقوم به جهاز التنسيق الحضاري برئاسة المهندس محمد أبو سعدة والتابع لوزارة الثقافة من إنجاز غير مسبوق، لإعادة تأهيل وتطوير وسط القاهرة الخديوية والتي تشمل مساحة ضخمة وعدد ضخم من الأبنية بما فيها منطقة جاردن سيتي.
ومؤخرا أرسل لي المهندس أبو سعدة كتاب جهاز التنسيق الحضاري للحصاد السنوي لأعمال الجهاز للعام الماضي 2021، وقد أبديت إعجابي وسعادتي بالكتاب بما يحويه من إنجاز مبهر لمشروعات صيانة وحماية وتطوير التراث
وكما قالت الدكتورة الفنانة الوزيرة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة في مقدمة الكتاب: "فإن ما يسعد المتابع هو انتقال الجهاز القومي للتنسيق الحضاري إلى العمل في المحافظات والشراكة في تطوير الميادين والشوارع الهام ومحطات السكك الحديد التراثية مثل الإسكندرية وطنطا، علاوة على مشروع احياء قرية القرنة الجديدة للمعماري الكبير حسن فتحي بالأقصر".
المشروعات مستمرة وفق استراتيجية الحكومة المصرية 2030، فالمشروعات القومية الكبرى في مصر في كل اتجاه تتضمن أيضا مشروع قومي حيوي وضروري هو إحياء التراث، وكما يقول المهندس محمد أبو سعدة، فالعمل لايزال مستمرا لاستكمال تطوير القاهرة الخديوية وسكك حديد الإسكندرية التراثية، إضافة إلى مشروعي "عاش هنا" وحكاية شارع لتخليد أسماء ورموز مصر الوطنية، وتوسيع دائرة المعرفة وزيادة الوعي لدي المواطنين، وإصدار سلسلة ذاكرة المدينة والأدلة الإرشادية للتعامل مع المناطق والمباني ذات القيمة المعمارية والذي يهدف في النهاية إلى ترسيخ الهوية الثقافية لمصر التاريخية والتراثية.
جهاز تنسيق الحضارة يشارك أيضا في تطوير وترميم مناطق عديدة في المحافظات منها: كورنيش مدينة دهب، وميادين أولياء الله في طنطا ودسوق- وهذه قصة أخرى تحتاج إلى تناول آخر- بالإضافة إلى التعاون في مشروع تحسين الصورة البصرية للمدن المصرية، والذي بدأ بالأقصر وأسوان، ويمتد إلى باقي المدن الأخرى في الإسكندرية ومطروح والإسماعيلية وبورسعيد والسويس وغيرها، والمساهمة أيضا في مسار رحلة العائلة المقدسة.
المجهود هائل وعظيم ويستحق الإشادة والتقدير، بل ويستحق الكثير أيضا من التمويل والمخصصات المالية، بالتعاون مع جهات محلية أو جهات دولية معنية بالتراث، للمشاركة في استكمال باقي الأعمال وتطوير مشروع "عاش هنا " ليحقق الهدف الأسمى له وهو محاولة تحويل بعض الشقق أو الأماكن التي عاش فيها العلماء والفنانون والأدباء والمبدعون المصريون إلى مزارات سياحية يطلع خلالها الزوار والسياح المقتنيات والكتب وغيرها لهؤلاء المبدعين مثلما يحدث في دول أوروبا.. فهل يمكن تحقيق ذلك في مصر وماذا ينقصنا ..؟
أعرف أن هناك صعوبات وعراقيل لتطوير المشروع – عاش هنا- لكن واثق في الإرادة السياسية للدولة والتي ظهرت في مشروعات قومية كثيرة.
عموما الجهد التي يقوم به جهاز التنسيق الحضاري يستحق الاهتمام والإشادة به لأنه مشروع للحفاظ على الذاكرة المصرية والهوية الثقافية للجيل الحالي والأجيال القادمة.