معلوم أن الحفاظ على الأخلاق والآداب العامة أمر يحمى المجتمع من خطر التفكك الأخلاقى، لذا أصبح من المسلمات التي لا خلاف عليها أنه لابد من وجود رقابة صارمة على سلوك الأفراد، وأن يكون هناك وعى للأفراد يمكنهم من التفريق بين ما يدخل ضمن "الحيز الخاص" وما يدخل ضمن "الحيز العام"، خاصة في ظل الانفتاح الحادث الآن بسبب سيطرة السوشيال ميديا على حياتنا وتشكيلها للوعى الجمعى للأفراد.
وأعتقد أن الإشكالية في ظل عالمنا الافتراضى تكمن فى أن هناك من لا يعتقد أن تواجده على منصات السوشيال الميديا يدخل ضمن نطاق حيزه الخاص وليس الحيز العام، واقتصار مفهومه على الحيز العام الجغرافى فحسب الذى يشمل الشوارع والمتنزهات والأسواق، والمصالح الحكومية والمواصلات، وغيرها مما يقع استخدامه ضمن الحق العام والطبيعي للناس، وهذا ما يزيد الإشكالية تفاقما، خاصة أن أن الحيز العام لا توجد لائحة سلوكية تقرر السلوك المقبول فيه، فالأمر دائما متروك لتنوع المجتمع وتفاعل أفراده في الأماكن المختلفة التي تعكس ثقافة هؤلاء الأفراد شرط عدم خرقه للقانون والأعراف، وليس ما تقرره مجموعة واحدة في المجتمع وتفرضه على بقية أفراد المجتمع وأماكنه باسم الدفاع عن الأخلاق.
لذا، لابد من ضرورة أن يكون هناك وعى حقيقى لدى الأفراد بأهمية مراجعة القيم السلوكية تجاه معايشتهم للسوشيال ميديا والعالم الافتراضى التى أصبحت الحياة دون هذه المنصات مستحيلة، فالحفاظ على القيم والثوابت الأخلاقية والمجتمعية أمر فى غاية الخطورة نحو بناء المجتمع فى إطار تحدده ضوابط قانونية وأعراف مجتمعية، لأن ببساطة عند اختلاف بعض الأفراد مع قيم مجموعتهم، فإنه يحق لهم اتباع السلوك الذي يرونه صحيحاً ما دام هذا السلوك لا يخرق القانون، فالمعيار هنا هو القانون، لأن القانون ملزم للجميع، بعكس القيم الأخلاقية السائدة التي هي ملزمة للذين يؤمنون بها.
وأخيرا، علينا الانتباه لسلبيات السوشيال ميديا وخطرها على المجتمعات حال عدم الالتزام بالقيم المجتمعية، وغلق الباب أيضا أمام من يحاولون فرض قيم اجتماعية معينة على أفراد لا يقبلون بهذه القيم، لأن هذا يعد أحد أنواع الاستبداد الذى يُبرر على نحو خاطئ ومتعسف باسم الأخلاق العامة، وبالتالي فإن أهمية الوعى بالآداب العامة والتفريق بين ما هو حيز عام وما حيز خاص أمر مهم لكن لابد أن يكون في إطاره القانوني للمجتمع..