عندما يسرد ياسر رزق يكون السرد شيقاً ومتفرداً، وتكون الكتابة مختلفة. فكاتب كبير بهذا الحجم وهذا العمق وهذه القدرة على جلب المعلومات وتحليلها وإعادة طرحها بشكل يثرى النقاش ويفتح الأبواب أمام التفكير، يستحق التوقف والتدقيق أمام كل ما يكتب، فما بين السطور لا يقل أهمية عن الكلام الصريح، وهو ما تحقق فى مؤلفه القيم "سنوات الخماسين.. بين يناير الغضب ويونيو الخلاص".
الكاتب الكبير ياسر رزق، الذى قدم للمكتبة العربية قبل أيام واحداً من أهم المؤلفات التى صدرت عن ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 والسنوات التى تخللتهما من أحداث ومواقف وأزمات، هو واحد من ألمع المحررين العسكريين عن جدارة ومعرفة وعلم ودراسة، وخبرة سياسية ونقابية كبيرة، اكتسبها من تتلمذه على يد شيوخ المهنة، وعمله كمحرر لشئون رئاسة الجمهورية بجريدة "الأخبار"، على مدار أكثر من 22 عاماً. كما شغل مناصب صحفية مهمة أحدث فيها نجاحات غير مسبوقة، منها رئاسة تحرير مجلة "الإذاعة والتليفزيون" إلى أن تولى رئاسة تحرير "الأخبار"، قبل أسبوع واحد من انطلاق شرارة ثورة 25 يناير 2011، حتى عزله نظام الإخوان الفاشى من رئاسة فى التحرير فى أغسطس 2012 ثم تولى بعد ذلك رئاسة تحرير صحيفه "المصرى اليوم".
ربما كانت الهدية الكبرى التى خرجت بها مصر خلال أحداث "سنوات الخماسين"، هى رجل الأقدار، الذى جاء فى التوقيت المناسب من صلب المؤسسة الأعرق فى تاريخ مصر والمنطقة بأسرها، ليحمل على عاتقه أعباء، وتضعه الأقدار فى مواقف واختبارات، كان من الممكن أن تضيع خلالها الدولة المصرية، لكنه كان على قدر الموقف والتوقيت، وحركة التاريخ، التى دائماً ما تأتى بالرجل المناسب فى المكان المناسب وفى التاريخ المناسب، خاصة فى اللحظات الفاصلة فى تاريخ الأمة المصرية.
توقفت فى أحد فصول الكتاب تحت عنوان "رجل الأقدار" أمام حديث الكاتب عن الرئيس عبد الفتاح السيسى قائلاً: "كان السيسى بحكم الاطلاع والمعايشة، يكن احتراما كبيراً لعصر محمد على الذى يعتبره بانى الدولة المصرية الحديثة، وللزعيم جمال عبد الناصر، الذى ينظر إليه كمؤسس للجمهورية الأولى، وبانى الدولة الحديثة الثانية، ويرى فيه الزعيم الذى حمل هموم الشعب بإخلاص فلم تنسه الجماهير، وللرئيس أنور السادات، الذى يعتبره اختيار القدر لاستكمال مسيرة الحرب والسلام ويرى فيه رجلاً سبق عصره. وبرغم ذلك كان السيسى يستخلص العبر والدروس من تجارب الحكم ويدرك مخاطر التمدد الزائد فوق القدرة، دون النظر لتوازنات القوى ويعرف مهالك الانزلاق إلى مكائد تحاك والانجراف إلى مصائد، توضع فى الطريق لإجهاض مسيرة الوطن".
ويكمل ياسر رزق: "فى مصر.. كان السيسى منغمساً فى مشكلات الوطن، وفى خارجها أثناء الدراسات العليا ببريطانيا وأمريكا تلمس السيسى عوامل نجاح نهضة المجتمعات هناك، وكان يشاهد التقدم الكبير فى البنى التحتية والتنمية البشرية، ويقول لنفسه: لماذا لا نحقق هذا؟!.. وكان يجاوب على سؤاله قائلا: حينما تتوافر لنا القيادة الفكرية الملائمة الرشيدة.. كانت تلك القيادة غائبة عن الساحة المصرية منذ أن رحل الرئيس السادات".
حديث "رزق" جزء من كل عن هذا الرجل، الذى وثقت فيه الجماهير، و"فوضته" ثم طالبته بالترشح لخوض التجربة، وكان –ولا يزال- على قدر الثقة، والمهمة.
لا يزال هناك الكثير لدى ياسر رزق.. ومؤلفاته المقبلة –بمشيئة الله– ستحمل الكثير من المفاجآت.. مبروك للمكتبة العربية.