يحق للجميع أن يفعل ما يشاء، فمن أراد أن يتحدث الفصحى فليفعل، من أراد أن يتحدث العامية فليفعل، ومن أراد أن يكتب باللغة الفصحى فليفعل ومن أراد أن يكتب بالعامية فليفعل أيضا، لا منع ولا حكر، ولكن أرجوكم سموا الأشياء بأسمائها، فلا يجوز أن نطلق على اللهجات العامية المصرية اللغة المصرية، فذلك خلط مضر سواء أكان ذلك مقصودا أو غير مقصود.
فى البداية أقول إن ترجمة كتاب إلى العامية ليست بالأمر الخطير، لأسباب متعددة لن نستطيع حصرها، لكن ما يهمنى هنا السبب القائم على أن اللغة الفصحى تملك قوتها بسبب النصوص المهمة، وعلى رأسها القرآن الكريم، والشعر والنصوص السردية الجميلة، ولأن اللغة العربية على مستوى الكتابة والفن لم تثبت عجزها حتى الآن، أما فيما يتعلق بالشأن العلمى فهذا أمر آخر له شجون، وربما العيب ليس فى اللغة ولكن فى عقولنا نحن.
أقول طالما اللغة الفصحى قادرة على إثبات نفسها والتطور الفنى، وأنها لا تزال قادرة على العطاء، فلا خوف من نص عامى ولا حتى من طريقة تفكير عامية، بل على العكس يمكن النظر إلى هذه التجارب بوصفها محاولات جديدة لكسب قراء جدد، هم وحدهم من يحق لهم الحكم على هذه التجارب، خاصة أننا بالفعل أصبحنا نعيش فى دنيا من العوالم المتوازية، فلدينا مهتمين بفنون متناقضة أو متقاربة، وفى مسألة القراءة فلمن لا يعلم لدينا أجيال لا تقرأ سوى باللغات الأجنبية.
ولكن ما يفزع فعلا هو الخلط فى المصطلحات، لأن ذلك يدل على أحد شيئين، عدم معرفة ولا أحب أن أقول جهلا، أو سوء نية مبعثها تعظيم الفعل الذى تم أو رغبة حقيقية فى الابتعاد عن جزء مهم من الهوية التى تشكلنا بالفعل، فمن البديهيات أن ما نتحدثه نحن هو لهجة من لهجات فى مصر، وأنا عن نفسى لا يمكن أن أحصى عدد اللهجات فى مصر، وبالتالى صعب أن أقول أن اللهجة القاهرية هى اللغة المصرية، أو اللهجات الصعيدية بتعددها أنها اللغة المصرية، لا يمكن ذلك، إنها مجرد لهجات معتمدة بشكل رئيسى على لغة معيارية هى اللغة العربية الفصحى المتمثلة فى النص القرآنى.
أما لو أردنا أن نتحدث عن لغة مصرية فعلينا العودة إلى الماضى، واستحضار لغة الأجداد الفراعنة، وأعتقد أن ذلك صعب جدا، لأن اللغة المصرية القديمة لم يعد أحد ينطقها الآن فنعتمد عليه، وحتى اللغة القبطية التى تعد امتدادا للغة القديمة فهى ليست خالصة، كما أن قصرها على النصوص الدينية قد أثر على اتساعها، وأعتقد وإن كنت غير متأكد بها جزء من اليونانية القديمة.
ما أريد قوله أن للكتَّاب أن يجربوا ما يشاءون، لكن عليهم أن يسموا الأشياء بأسمائها، وأقول لهم انتظروا وراقبوا ما فعلتم ومع الوقت سوف تعرفون إن كانت تجاربكم نجحت أم لا، وفى كلا الحالتين لا بأس.