بدأت العلاقة بين السينما المصرية والأدب مبكرا جدا ، فبمجرد ظهور السينما في مصر نهلت من الأدب ، وفي عام 1930 قدم المخرج محمد كريم فيلما صامتا بعنوان «زينب» وهو مأخوذ من رواية الفلاح المصرى للدكتور محمد حسين هيكل ثم أعيد الفيلم مرة اخرى ناطقا لنفس الرواية عام 1952 بدءاً من هذا التاريخ وبذلك أصبحت الرواية الادبية مادة خصبة للسينما المصرية.
لماذا هذه المقدمة وما مناسبتها ؟ الحقيقة أن لها مناسبتين : الأولي هي أن اليوم 22 يناير هي ذكري رحيل الأديب الكبير عبد الحميد جودة السحار الذي امنحه لقب "أديب السينما المصرية " نظرا لما قدمه من أعمال روائية كثيرة وما كتبه من سيناريوهات وقصص وحوارات لأفلام عدة ، بل أن عشقه للسينما دفعه للإنتاج أيضا ، أما المناسبة الثانية : فهي إعادة تقديم أعماله حاليا علي خشبة المسرح القومي من إنتاج الدولة فهناك مشروع مسرحي لتحويل روايتيه ( أم العروسة والحفيد ) لعمل مسرحي وبالفعل تجري البروفات حاليا ، وهو خبر مفرح بكل تأكيد لأن الأعمال الفنية التي تؤخذ عن عمل أدبي تضمن علي الأقل الجودة الدرامية وتنتظر الرؤية الإخراجية الفنية من صناع العمل لتكتمل عملية النجاح .
بدأت علاقة الأديب الكبير الراحل عبد الحميد جوده السحار بالسينما من خلال فيلم " درب المهابيل " فكتب القصة والسيناريو والحوار عام 1955 بمشاركة نجيب محفوظ وتوفيق صالح، ومن بعدها أحب السحار السينما وأصبحت بينه وبينها حالة من العشق ، فنهلت السينما من رواياته وقدمت من أعماله روائع الأفلام ومنها مثلا فيلم " فجر الإسلام " الذي كتب له أيضا القصة والسيناريو والحوار واخرجه صلاح أبو سيف ، وقدمها بعدها أشهر الأفلام الاجتماعية في السينما المصرية والعربية، وهو فيلم "أم العروسة"، وشاركه في كتابة السيناريو الكاتب عبد الحي أديب، ويسرد حياة أسرة بسيطة تسعى لأن تدبر تكاليف زواج ابنتها وبالرغم من أن القصة تبدو بسيطة إلا أن "السحار" استطاع بموهبته المميزة الاهتمام بكل تفاصيل تلك الأسرة التي تجعل المشاهد وكأنه يعيش بينهم، وكتب عام 1975 "الحفيد"، وكتب السيناريو له أحمد عبد الوهاب ، وأخرجه عاطف سالم، وتعمق في هذه القصة لحياة الأسرة المتوسطة، ولكن من منظور مختلف عن فيلم "أم العروسة"، فطرح "السحار" فكرة أنه حتى بعد زواج الأبناء مسؤولية الآباء لا تنتهي.
عبد الحميد جودة السحار هو أفضل من كتب الرواية التاريخية وتبحر في التاريخ الإسلامي ، وقدم للسينما روايات إسلامية منها " نورالإسلام" الذي كتب له السيناريو والحوار بالاشتراك مع صلاح أبو سيف مخرج الفيلم وخرج للسينما بعنوان " فجر الإسلام " ، كما شارك في سيناريو فيلم الرسالة بالاشتراك مع توفيق الحكيم و عبد الرحمن الشرقاوي وكان أيضا من الأعضاء الذين ساهموا في إنشاء "لجنة النشر للجامعيين" التي يرجع إليها الفضل في نشر بواكير أعمال الأديب نجيب محفوظ.
رحم الله هذا الأديب الكبير الذي قدم للمكتبة السينمائية روائع الأفلام ، وكتب سيناريوهات وقصص للكثير من الأفلام نذكر منها أفلام : ألمظ وعبده الحامولي – مراتي مدير عام).